الداخل السوري

انتباه.. حربي روسي في الأجواء

By Women Now for Development

May 07, 2019

مرعوبة جدّاً في هذه الأثناء، منذ ثوانٍ فقط، ألقت علينا طائرات الأسد والروس شيئاً ما، برميلاً متفجراً كما أظن، بسبب صوت انفجاره العالي جدّاً، أو لربما كان صاروخاً. المهم أنهم في هذه الساعة قرروا قصف مدينتي “كفرنبل”  في ريف محافظة إدلب، وقبلها بلدة “كنصفرة”، وقبلها “كفرزيتا”، وإن أردت أن أحصي القرى والبلدات التي تعرضت للقصف، ولا تزال ،فلن أنتهي حتى مساء الغد، إن قُدر لي أن أعيشه. توقفتُ ثوانٍ عن الكتابة لأراجع المراصد وأعلم أين ألقت الطائرات حمولتها، ليس المكان بعيداً عنّا، مستشفى “أورينت” الذي سبق أن خرج عن الخدمة عقب غاراتٍ عديدة عليه خلال اليومين الفائتين. ماذا لو أمكننا فقط أن نحول صوت الرعب ومقدار الخوف الذي نعايشه كل ثانية ودقيقة إلى حروف؟! لو يمكنني أن أنقل فقط ما أعايشه الآن بدقّةٍ مطلقة! أصبحت الساعة الثالثة فجراً، وقت السحور، لا طاقة لنا على تناول الطعام، لا طاقة لنا على شيء، نحاول استغلال كلّ دقيقة صمتٍ، لننعم بنوم يكفي أجسادنا، آملين بهدوءٍ قصير، حالمين بسماء صافية. أكثر ما يحرنني الآن، هو أنني أكتب بلا فائدة، فما الجدوى من هذه الكلمات سوى تلقي الشفقة، ونشر البؤس، والحزن، وتلقي الدعاء؟ ما الجدوى؟!! لطالما أفرغت غضبي بالكتابة. حزني، ألمي، ولكن الخوف شيء آخر، صدّقوني. الخوف شيء لا يمكن إفراغه، لا يمكن شرحه، أو حتى السيطرة عليه. أتأقلم، وأحاول أن أتعايش مع الرعب، أمارس أنشطتي اليومية المعتادة، لكن مع إضافة جبرية واحدة وهي الخوف. وصلت إلى مرحلة أخاف فيها نزع حجابي، أخاف أن أموت بشكل ما غير محتشم ربما، وأن يلتقطوا الصور لجثتي بشكل غير لائق، ميتة، هادئة لا أشعر بشيء. نعم نحن في هذه المرحلة نفكر كثيراً بطريقة موتنا، كيف ستكون؟ هل سنتألم؟ من سيكون الأول؟ ومن هو الأخير؟ خلال الأزمات يبدو الإنسان وكأنّه يودعُ كل شيء، وكأنّه يرى كل شيء للمرة الأخيرة، ينظر فقط ويتأمل كل تفصيل بحسرة، وغصّة تخنقه. لطالما كرهت لحظات الوداع، البكاء، والانتقال، وأنا اليوم أشعر أنني مجبرة على وداع كلّ إنسان عرفته، إن كنت ُ قد كرهته أو أحببته، كل قطعة أثاث، فنجان قهوتي، وسادتي، كل شجرة، وجدار، وحجر. كل شيء أقمت معه ذكرى حتى تلك التي كانت بمحض الصدفة.