النساء يكتبن

مروة.. سميت ابني أمان لأنني أتمنى أن يتحقق ببلدي!

By Women Now for Development

February 07, 2024

اسمي مروة السلوم، عمري 30 سنة كنت أدرس في جامعة حلب قسم معلم صف حتى تعرضت الجامعة للقصف عام 2012 عندها أدركت أن الدولة التي لا تؤتمن على أرواح مواطنيها لا تؤتمن على مستقبلهم، فقررت أن أترك الجامعة للالتحاق بالعمل الإنساني في مجال الدعم والمساندة النفسية الاجتماعية في المخيمات على الحدود السورية ثم لأدرس مجددا في جامعة ادلب قسم الإرشاد النفسي 2018 وهو جزء من شغفي أن اكون مع الانسان.

أنا من قرية صغيرة تقع في ريف إدلب الجنوبي تدعى حيش، هجرت من قريتي الصغيرة التي أطلق عليها خلال سنوات الحرب قرية الموت في عام 2012، وانتقلت للعيش على الحدود السورية التركية، عملت كداعمة نفسية اجتماعية في المخيمات الحدودية في منطقة سلقين، أعيش الآن في مدينة إدلب منذ 2019 مع زوجي وأطفالي الثلاثة 

اخر أطفالي اسمه أمان، وهذا كل ما أتطلع إليه الآن للعائلة والوطن ولنفسي.

 

في تاريخ 6 شباط قررت أن أنام الى جانب أطفالي بسبب تعرض أصغرهم لوعكة صحية ، ولكنني عند الساعة ٤:١٧ دقيقة استيقظت كما لو أنني في عالم آخر أبحث عنهم بين الاغطية لأحميهم بجسدي من السقف والجدران التي بدأت تتصدع 

نجونا يومها من الموت ولكننا لم ننجو من الهول والخوف بعد تلك الليلة، وصلني خبر موت صديقة ثم اثنتين ثم عشرات من الأصدقاء والمئات من الجيران والأخوة.

ومئات وآلاف السوريين/ات بين موتى وعالقين/ات تحت الأنقاض، لم أستطع  أن أقف مكتوفة اليدين ولم أجد وقت للحزن سارعت لإخراجهم من تحت الركام مع صديقاتي في مركز مارونا النسائي، أعددنا وجبات الطعام للمسعفين، وحقائب الولادة للنساء اللواتي حان موعد مخاصهن وبكينا بعدها في فناء مارونا سوياً حينما تم الإعلان عن توقف عمليات الإنقاذ.

بدأت بعدها سنة احاول فيها استيعاب ما حصل موت صديقتي وإحدى مؤسسات مركز ومكتبة مارونا نسرين 

التي ظل مكانها فارغا في الأحاديث في العمل وفي الطريق الذي نعتبره نحن النساء للسلام ولكن الموت كان أسرع .

عملت على تدريب فرق من الشابات لتقديم المساعدة النفسية للأسر التي تعاني وجع الفقد مثلي 

زرنا الكثير من الأمهات والكثير من الأطفال والكثير من القبور ومنهم قبر نسرين الباقية ذكراها ابدا، كان أكثر ما ساعدني على تجاوز هذه المحنة أنني مددت يد المساندة والعون من خلال مارونا للناس، ساعدت في توفير مساكن مؤقتة للبعض وحضنت الأطفال وبكيت مع العائلات، كما ساعدتني عيون أطفالي أن اصبح أقوى واستمر.

مازال مجتمعي يعاني من نقص الموارد على كافة الأصعدة من دعم صحي و نقص في الاحتياجات مثل المأوى والمأكل و كذلك الآلام النفسية وتفاقم المشاكل الاجتماعية، بعد حرب استنزفتهم ليكون الزلزال حدث آخر يزيد المأساة.

بحكم عملي في مجال الدعم النفسي الاجتماعي لمست حاجة النساء الشديدة إلى مارونا البيت العائلي الكبير والآمن الذي يجمع كل نساء سوريا من مختلف مناطق التهجير والنزوح ، “مارونا” مستوحاة من كل وجوه النساء السوريات في بلدي ومن اكفهن.

تم تأسيس مارونا في عام 2018 التي بدأت في تنفيذ الأنشطة الثقافية منها مناقشة الكتب وإقامة دورات تدريبية في كتابة المقال والقصة القصيرة والجلسات الشعرية كما تم تنفيذ العديد من الانشطة المجتمعية وانشطة التراث اللامادي، منها نشاط حكايات الانسان، قطبة موت وقطبة حياة، المأكولات التراثية، الاستقبالات النسائية وغيرها.

وأهم  أهداف هذه النشاطات تعزيز دور المرأة كفاعلة في المجتمع وتعزيز التواصل الجيلي بين المشاركات، ومن أنشطة مارونا خلال السنوات الماضية، نشاط جدو الحكواتي التي كانت تقوم به صديقة الأطفال وروح مارونا صديقتنا ” نسرين ” والتي كان آخر نشاط لها في أرض ديار مارونا 28 كانون الثاني، قبل أن يخطفها الموت بكارثة الزلزال بتاريخ 6 شباط.

بعد هذا التاريخ شعرت مارونا وأصدقائها الأطفال باليتم، لأن حكاية نسرين انتهت بالموت! 

ولكننا رغم الحزن قررنا أن نقوم بما كانت نسرين تحب أن تفعله، وهو أو نستمر بعملنا فأنشأنا “مطبخ نسرين” الذي قام بتقديم وجبات الطعام للعاملين/ات في انقاذ العالقين/ات تحت الأنقاض على مدار أسبوع كامل في منطقة سلقين، إضافة للاستجابة الإنسانية لمدة 4 شهور بعد الكارثة، حيث قمنا بتأمين خيام سكنية و سلل غذائية وألبسة واحتياجات نسائية.

وقمنا أيضاً بصنع مسرح عرائس متنقل لتقديم أنشطة المساندة النفسية للأطفال في مراكز الإيواء والمناطق المتضررة.

ولأن نسرين كانت حاضرة بكل لحظة من لحظاتنا، فكرنا بطريقة لتخفيف ألم الفقد على الناجين/ات، لذلك أطلقنا فكرة “بلسم مارونا” وتم دعمها من منظمة النساء الآن ، لتصبح النساء كما البلسم تشفي جروح هذا البلد من كل وجع.

أكثر ما أخشاه الآن أن تفقد النساء قدرتها على العطاء بسبب تهميش دورها في مجتمع يعاني كل أنواع القهر السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي، ولكنني أتطلع كل يوم في فناء مارونا وهي مركز مجتمعي غير ربحي وغير مدعوم قامت بتأسيسه مجموعة من الشابات، من خلال وجوه الأمهات وأكف صانعات الحياة من الشابات، أدرك أن الحياة تخلق من جديد بكل حب و إصرار وعزيمة على ولادة أمل جديد، لذلك أفتح بوابة مارونا ومنها أفتح للنساء أفق علنا نصل لسلام.