الداخل السوري

من أنا بين أقنعة وقوالب التاء المربوطة ؟

By Women Now for Development

September 07, 2020

ماذا لو كانت الحياة طبيعية؟ ماذا لو قضيت كل يوم من حياتي بصدقٍ وكرامة وحرية؟ كيف سأشعر عندما يعاملني الجميع كإنسان فقط دون تاء التأنيث؟ ذلك الحرف المدورُ الصغير، الذي يضعني دوماً في دائرة الاتهام، والذي يتربص بي كوصمة. أتساءل دوماً بحسرة، كيف سأشعر؟

في نظرهم أنا عدة أشياء قبل أن أكون إنسان، أنا السلعة والجمالُ والكمال، أنا الإعلانُ المبهرجُ على كل الأبواب والجدران، أنا الأضواء الزاهية والغزل المنمق والألوان الصارخة، أنا القياساتُ الصغيرة والضيقة والكعوب الشاهقة، أنا الجسدُ النحيلُ المغري والشفاهُ الممتلئة والمنحنياتُ الدقيقة، أنا الآلة ذات صلاحية محددة، أنا السنين الصغيرة. أنا كل شيء ولستُ إنساناً بعد. أنا الجسدُ والشرفُ واسم العائلة، أنا العشيقة والخطيئة والحروب السرية، أنا الزوجةٌ الأولى والثانية والثالثة والرابعة، أنا الخيارُ الثاني دائماً، والقطعة القابلة للاستبدال، أنا الزوجة المطيعة والأختُ المتمردة، أنا الأم المحترقة منذ ليلة العسل الأولى، أنا الابنة المكبوتة صاحبة مستقبل مرسوم على لوحة في وسط الصالون. أنا كلُ ما سبق ولستُ إنساناً بعد. أنا ضحية جريمة بلا شرف، أنا المُغتصبة والمُتحرشُ بها، أنا المعرَضة والمتعرضة لكافة أنواع العنف، أنا الموصومة بالعار، أنا ضحية الاستغلال والابتزاز الجنسي حصراً، أنا المعتقلة في كل السجون، يتفننُ جلاديّ بطرق تعذيبي. أنا المطلقةُ والأرملة والمتزوجة مرة أخرى، أنا التهمة والفضيحة والسبب. أنا الشيء الذي لا يشبه الإنسان فالإنسان حر.

في كل يوم أنزعُ قناعاً أرغمني المجتمعُ على وضعه، وأحاول ارتداء قناع أكثر سلمية وحيادية، أحبُ الأقنعة الحمرا وأخاف منها، مللتُ الأقنعة الفضية، مللت الأماكن التي أوضعُ فيها رغماً عني، والأسماء التي أُنادى بها والألقاب والأدوار التي أُنمطُ بها والأطر التي تخنقني، تخنقني أُطري.

لطالما أرعبني الكمال ومساحيق التجميل بعد ليلة سادية، ولطالما هددتني الأنوثة. يكتبون في دفتر العائلة عند ولادتي إنها التهمة والضحية، وتحاصرني هويتي والتاء الأنثوية. أجربُ رفع رأسي فيصرخون إنها المسترجلة هاجموها. ويقيمون عند رفع صوتي حفلة رجمٍ خيالية، يرجمونني بأقبح الكلمات وأكثر الصفاتِ سوداوية، يسقطُ وشاحي لشدة الرجم فيخافون وجهي بخزعبلات وأكاذيب وعنصرية. يرعبهم شعري، ويرعبهم صوتي ويتعالون أكثر ويبتكرون أساليباً أكثر حداثة وعصرية. وينسون كل شيء، يتناسون سبب وجودي، يتناسون الفطرة ويتجاهلون الحاجة، يسلبونني حقي بالعيش. يرعبهم كوني إنسان اساويهم بالوجود والحرية.