أصوات نسائية

مها: “أزواج بناتي حرموني من رؤيتهن”

By Women Now for Development

March 30, 2021

بعد عشر سنواتٍ من انطلاقة الثورة السورية، والتي شاركت بها أعداد كبيرة من النساء بأشكالٍ مختلفة، واجهت الكثيرات من بينهن الاعتقال والانتهاكات والعنف وكافة أشكال التهجير والنزوح والفقد، وبقيت النظرة الواصمة لهن ولألمهن تأتيهن من أقرب الدوائر عليهن، ليتلقين اللوم على ما عشنه ونجون أو ما زلن يبحثن عن نجاة منه.

” كنت أظن عبوري للحدود التركية سيكون نهاية لمعاناتي لكنها كانت بداية لمعاناة من نوع آخر”

بهذه الكلمات عبرت مها (45) عاما، عن الصعوبات التي عانتها منذ بداية اعتقالها وما زالت ترافقها حتى اليوم، رغم مغادرتها الأراضي السورية نحو تركيا هاربةً من ملاحقة النظام لها ولأفراد أسرتها.

تخرج مها من المعتقل بإطلاق سراح مشروط بعد ستة أشهر قضتها في فروع النظام المخابراتية برفقة زوجها الذي اعتقل هو أيضا في العام 2014 ومازال معتقلا حتى اليوم.

تذكر مها كيف طلب منها زوجها في آخر زيارة له في السجن المركزي، مغادرة سوريا بعيداً عن بطش النظام وأيدي مخابراته، بالأخص إبان تلقيها بلاغ رسمي بضرورة مراجعتها للفرع الأمني الذي غادرته لاستكمال بعض النقاط المستجدة حولها، “لن أعود الى ذاك الفرع برغبتي ما حييت” تقول مها.

اتخذت مها قرارها وحسمت أمرها بضرورة مغادرة الأراضي السورية، خصوصا بعد أن فقدت ابنتها ذات الخمسة عشر ربيعا، في غارة للطيران نجم عنها إصابة بالكبد، أفضت لوفاتها بعد أيام، فلم تجد سوى الأهل لتلجأ إليهم بغية الحصول على المساعدة في تأمين مصاريف السفر، لكن حالتهم المادية الضعيفة وخوفهم من ملاحقة النظام لهم، منعتهم من مد يد العون لها، ذلك الخوف الذي دفعهم منذ بداية خروجها من السجن الى التخلي عنها وتركها تواجه متاعب الحياة منفردة.

تذكر مها موقف أهلها فتقول: “كان موقفهم إيجابياً لحظة خروجي، حيث قاموا باستقبالي في بادئ الأمر، وإن كان بحذر، لكنني كنت التمس لهم العذر فلا وضعهم المادي يسمح لهم ولا وجودهم في مناطق سيطرة النظام يساعد على التعامل مع معتقلة سابقة، فالخوف هو السمة السائدة هناك”، تستطرد مها قائلة: “لكن عذرهم لم يكن لخفف عني ما كنت أعانيه وسبب لي خيبة أمل كبيرة”.

تقرر مها بيع كل ما كانت تملكه في مكان إقامتها من أثاث وغيره سعياً منها لتأمين مصاريف رحلتها القادمة لعبور الحدود السورية التركية، وبالفعل مع مساعدة من بعض الأصدقاء القدامى للعائلة، وما وفره بيع ممتلكاتها تنتقل مها برفقة ابنتيها اليافعتين الى الشمال السوري، لتقضي مدة من الزمن بانتظار أن تؤمن من يستطيع إيصالهنّ الى تركيا عن طريق التهريب.

مع وصولها الأراضي التركية ظنت مها أن رحلة شقائها انتهت، لتبدأ صفحة من الأمان والاستقرار لكن أملها خاب مرة أخرى، فليس تأمين المسكن بالأمر السهل ولا تملك المال الوفير لاستئجار منزل مناسب، عن تلك المرحلة تحدثت مها بالقول: “آوتنا عائلة تركية في منزلهم لبضعة أشهر ريثما نجد عملاً لكن عملي أنا وابنتي ذات الثلاثة عشر عاماً في أحد مشاغل الخياطة لم يكن يؤمن سوى مبلغ مئتي ليرة تركية لا غير، وهي لا تكفي ثمناً للطعام”.

 

بين ألم الهجرة وقسوة المعيشة قضت مها أيامها في تركيا، لكن أقسى ما عاشته (بحسب تعبيرها) كان حرمانها من التواصل ورؤية ابنتيها المتزوجات واللتان تقطنان تركيا منذ سنوات، وذلك بسبب رفض زوجيهما السماح لهما برؤية أمهن، وذلك بحجة “العار” الذي لحقها بسبب الاعتقال بحسب رأيهما.

تعبر مها عن حرقة قلبها على موقف صهريها الظالم بحقها: “لن أسامحهما لمنع ابنتاي من مقابلتي، يمكنهما مقاطعتي فهما أحرار، لكن لا حقّ لهما بمنع زوجاتهما من رؤية أمهما أيّاً كانت الظروف”.

لكن مها تجد العزاء في وجود ابنتيها الأخريتان برفقتها، وتقول: “ما يخفف عني وحشة غربتي وظلم المجتمع وصهريّ، هو وجود ابنتيَّ إلى جانبي اليوم، فابتسامة من ابنتي ذات التسعة أعوام، تغسل هم اليوم بأكمله”.

لم يكن المجتمع فقط من تخلى عن المعتقلة بعد خروجها لمعترك الحياة، بل حتى الجهات الرسمية والمنظمات المعنية، حيث أن الدعم الذي حصلت عليه كان أقل من المستوى المطلوب بكثير، حالها كال الكثير من الناجيات اللواتي لم يجدن طريقةً لتلبية احتياجاتهن.

في هذا السياق يرى المحامي محمد كعكة، رئيس اتحاد المعتقلين السوريين ومقره النمسا، أن ما تم تقدم للمعتقلين بصورةٍ عامة، والمعتقلات على وجه الخصوص لم يكن كافياً وأدنى من حجم التوقعات، ويقول: “كانت الحلول في الغالب حلولاً إسعافيه، فلا يمكن اعتبارها حلّاً ينهي معاناة المعتقلة، وسرعان ما تُنسى قصتها بين ألاف القصص الأخرى”، ويضيف بأنه وحتى لو اختارت الناجية الهجرة لأوروبا على أمل أن تحظى بنوع من التميز والاهتمام أكبر، لكنها تفاجئ بأن التعامل معها لا يختلف عن بقية اللاجئين واللاجئات الآخرين، باستثناء جلسات علاج ودعم نفسي تخضع لها الناجية بهدف التخفيف من آثار الاعتقال السلبية على حالتها النفسية، لكنهم أغفلوا كون الناجية غادرت معتقلها منذ فترة لا تقل عن عام إن لم يكن أكثر.

ما زالت مها حتى اليوم تعمل برفقة ابنتها التي تبلغ اليوم السادسة عشر ويقطنون في منزل صغير قاموا باستئجاره وعينها ترقب أن يأتي يوم تتحسن فيه أوضاعها، أو يبتسم لها القدر بعد سلسلة مآسي طيلة سنوات ست متواصلة، لكنها لم تفقد الأمل، وبقيت تحاول الكفاح والكدح للبقاء والنجاة، وإن كانت في قلبها حسرات كثيرة، وحرمان من أعزّ الناس عليها.