المصدر: شبكة جيرون الإعلامية
“أجبِرتُ على الزواج ولم أكمل تعليمي، وتعرضت للضرب لأني لم أكن واعية، أنصح جميع الفتيات ألا يتزوجن بسن مبكرة”، هذا ما قالته الفتاة سَحر المحمد (اسم مستعار) من مواليد حلب، التي أجبرها والدها وزوجته على الزواج، وهي في سن 14 عامًا، بسبب ظروف النزوح والفقر، حيث تعرضَت للتعنيف المستمر، على مدى أربع سنوات، من قِبل زوجها وأهله، وتعرضت للضرب عدة مرات. انفصلت عن زوجها قبل عدة أشهر، وهي تعيش اليوم مع والدتها، في أحد المخيمات قرب مدينة إعزاز شمال حلب.
(سحر) لديها ابنتان، وهي حامل، وتعاني من الفقر والحاجة بسبب الظروف الصعبة للنازحين في المخيمات، وقد رفضت التصوير أو الكشف عن اسمها الحقيقي؛ خوفًا من طليقها الذي يهددها باستمرار بأخذ الطفلتين، إن هي ذكرت كيف كان يعاملها.
تقول سحر، في حديث إلى (جيرون): “عمري اليوم 18 سنة، من هنّ في عمري لم يتزوجن بعد، لقد عانيت كثيًرا، أنصح الأهل بعدم إجبار بناتهم على الزواج في سن مبكرة، وأنصح الفتيات بإكمال تعليمهن، وبأن لا يُقدمن على الزواج إلا بعد أن يمتلكن الوعي الكافي لذلك”.
قصة (سحر) ليست فردية في المجتمع السوري حاليًا، فقد ذكر تقرير للأمم المتحدة عام 2015 أن تزويج القاصرات “ارتفع في سورية من 7 بالمئة قبل 2011 إلى 14 بالمئة عام 2015، وترتفع النسبة في المخيمات إلى 30 بالمئة”، وقد أشارت وزارة العدل التابعة للنظام، في إحصائية لها عام 2017، إلى النسبة نفسها.
يجرّم القانون السوري الزواجَ من فتاة تحت سن الخامسة عشرة، فقد نصّ كل من المادتين 491 و942، من قانون العقوبات السوري الذي صدر عام 1949، على أن “مَن جامع قاصرًا لم تتم الخامسة عشرة، عوقب بالأشغال الشاقة تسع سنوات، وقد يصل الحكم إلى 15 سنة، حسب تقدير القاضي”.
نصت الفقرة الثانية من المادة 16، من (اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة) التي أقرت عام 1979، على أنه “لا يكون لخطوبة الطفل أو زواجه أي أثر قانوني، وتتخذ جميع الإجراءات الضرورية، بما في ذلك التشريعي منها، لتحديد سن أدنى للزواج، ولجعل تسجيل الزواج في سجل رسمي أمرًا إلزاميًا”.
كذلك المادة 5 من القرار رقم 52\106 الصادر عن (الجمعية العامة للأمم المتحدة)، حيث حثت “الدول على سن قوانين تتعلق بالحد الأدنى لسن الزواج، ورفع الحد الأدنى لسن الزواج”.
وعلى الرغم من أن القوانين في سورية، وفي دول الجوار، تمنع عقد قران لمن هم تحت السن القانوني، فإن الأهالي يلجؤون إلى بعض رجال الدين لكتابة عقد عرفي غير قانوني، لتمرير هذا النوع من الزواج.
المدير التنفيذي في (رابطة العلماء السوريين) سمير صالح أكد، في حديث سابق إلى (جيرون)، أن الرابطة التي تضم مئات الدعاة والخطباء، وتعمل في مخيمات السوريين في تركيا والشمال السوري “نبهت جميع المنتسبين إليها، إلى عدم كتابة أي عقد لزواج مبكر يخالف القوانين المعمول بها في الدول المضيفة للمخيمات”.
تعزو شبكة (أنا هي) النسائية، في تقرير صدر عام 2016، أسباب ارتفاع نسبة زواج القاصرات إلى “الفقر الناتج عن التشرد والنزوح وغياب المعيل، غياب الأمن وخوف الأهل من عدم تمكنهم من تحمل المسؤولية”.
نيروز الزعبي، مسؤولة برنامج التمكين في منظمة (النساء الآن من أجل التنمية)، أكدت لـ (جيرون) أن التزويج المبكر يُنتج عدة آثار سلبية، على المستوى النفسي والصحي والاجتماعي، حيث قالت: “يخلف الزواج المبكر آثارًا على نفسية الفتاة، لأنها في هذه المرحلة طفلة، وهي غير مؤهلة نفسيًا لتحمل المسؤولية ورعاية الأطفال، وهي نفسها ما زالت تحتاج إلى الرعاية والدعم الأسري، وهي مرحلة تكون الفتاة فيها عرضة للإصابة بالاضطرابات النفسية، لعدم اكتمال النضج العاطفي”.
أضافت الزعبي: “كما يخلف هذ الزواج آثارًا اجتماعية، منها ارتفاع معدلات الطلاق، بسبب عدم النضج لدى القاصرة، كما ينعكس سلبًا على الصحة الجسدية للفتاة، لأنها في هذا العمر غير مستعدة ولا مؤهلة للحمل، وهذا يترتب عليه آثار صحية، ويمكن أن يؤدي في كثير من الأحيان إلى الوفاة”.
تحاول منظمات المجتمع المدني بشكل مستمر محاربة ظاهرة الزواج المبكر، في مختلف المناطق السورية، من خلال حملات التوعية، حيث تقوم بعض المنظمات، بالتعاون مع المجالس المحلية وبعض رجال الدين، بتنظيم ندوات توعية للأهالي، كما تقوم مراكز الدعم النفسي بتقديم المشورة اللازمة بهذا الخصوص.
الزعبي أكدت أن “التعليم هو الوسيلة الأولى في تأمين الحماية الاجتماعية، وذلك من خلال تعليمها وتثقيفها، بغية تمكينها من إدراك حقوقها وفهمها، وليس فقط تعليمها القراءة والكتابة، ولكن تطوير مواهبها وإذكاء مؤهلاتها”، مضيفة: “المساواة بين الجنسين وإدماج الفتاة بالحياة الاقتصادية هي وسيلة لمكافحة الفقر، وهذا يؤدي إلى تحقيق العدالة الاجتماعية، وإلى تعزيز دور ومكانة المرأة، وعدم اقتصار دورها على الدور النمطي بأن مكانها البيت وتربية الأطفال”.
تقدم عدة منظمات الدعمَ للفتيات في الجانب الاقتصادي، حيث تنظم دورات تعليم الخياطة والحياكة وأنواع أخرى من الأعمال التي تستطيع الفتاة لاحقًا الاستفادة منها اقتصاديًا، بحيث تتمكن الفتاة من الاعتماد على نفسها ومساعدة أهلها، لكيلا يلجؤوا إلى إجبارها على الزواج بذريعة الظروف الاقتصادية.
ليست سحر حالة فريدة في المجتمع السوري، بل هناك المئات والآلاف ممن عايشن معاناة مشابهة لما جرى معها خلال السنوات الأربع الماضية، بانتظار تعزيز العمل المدني على تغيير ثقافة المجتمع السائدة، وبانتظار تحسن ظروف المعيشة ومعالجة آثار سنوات الحرب الطويلة.
* أنتجت هذه القصة بالتعاون مع منظمة (صحافيون لأجل حقوق الإنسان).