عن كتاب عدالة المكان
هذا الكتاب هو الكتاب الأوّل من سلسلة كتب بعنوان “عدالة المكان” ستغطّي معظم سياقات التّهجير التي حصلت في ريف دمشق منذ عام 2011، على لسان النساء اللواتي عشن التهجير وما قبله وما بعده. يضمّ هذا الكتاب ستّ روايات ذاتيّة لنساء تهجّرن من الزبداني، مضايا وداريّا، هنّ نسرين العبدلله (الزبداني، مضايا)، فيروز (مضايا)، الدمشقيّة (الزبداني)، شعاع الأمل (الزبداني)، سميّة الخولاني (داريا) وياسمين شربجي(داريّا). وستتضمّن الكتب اللاحقة في هذه السلسة قصص لنساء مهجّرات من مناطق عدّة في ريف دمشق: دوما، حرستا، سقبا، عربين، القابون، بويضة، يلدا، مخيم اليرموك، الحجر الأسود ومعضميّة الشام.
يهدف هذا العمل إلى التعمّق في الأبعاد الاجتماعية والعلائقيّة rational للخسارات والانتهاكات التي تعرّضت لها مجموعات كبيرة من النساء وعوائلهن نتيجة جريمة التهجير القسري التي مارسها عليهنّ بشكل رئيسي النظام السوري وحلفاؤه. ويتعدّى هذا العمل نهج التركيز على آثار جريمة واحدة مثل جريمة التهجير القسري، ليبيّن أن الكثيرات من النساء والرجال قد تعرّضن وتعرضوا لأكثر من جريمة وانتهاك تقاطعت أو تتالت في حياتهنّ، مخلّفة أنواع شتّى من الأذى التي يمكن أن نتخيلها. وكذلك يظهر هذا العمل أن جريمة التهجير القسري لا يمكن اختصار آثارها بفعل التهجير فقط والانتقال إلى مكان آخر، بل هي جريمة لها أبعاد سياسيّة على صعيد المكان والصعيد الجمعي والفردي، جريمة لها أبعاد وآثار تلقي بظلالها الثقيلة على حياة ضحاياها في كلّ ساعة من كلّ يوم. إنها جريمة دمّرت ذكريات جمعية وفرديّة للأشخاص ومسحت/ غيّرت تاريخاً طويلاً للمكان، إنّها جريمة حرم مرتكبوها ضحاياها من حقوق عودتهم وعودتهنّ، من حقوق ملكيتهنّ وملكيتهم للبيوت والأراضي والأشجار، من حقوق انتمائهنّ وانتمائهم لنسيج اجتماعي يشبههنّ ويعكس ثقافة سكّان وساكنات المكان، من بيئة كنّ وكانوا سيربيّن أطفالهنّ فيها ويكبرن ويمتن فيها.
يهدف هذا العمل أيضاً إلى نزع مفهوم التجريد والترقيم والتجميع للضحايا، هنّ لسنّ أرقاماً، ولا مجموعات من الأفراد المتشابهة، فلكلّ منهنّ حكايتها وتجربتها وشخصيّتها وأحلامها وواقعها وأفراحها وآمالها وخساراتها، وإنّ فعل السرد والتذكّر هو الكفيل بأنسنة الأرقام والملفّات، بإظهار شخصيّة كل امرأة وكيف عاشت تلك الخسارات، ومن كانت قبل حدوثها، وكيف تأثّرت هي ومن حولها بها. لن تذكر التقارير ولا السياسات هذه التفاصيل، بل لن يسمح صنّاعها لنا بأخذ الوقت الكافي لسردها، وسيعتبرونها فعلاً مستنزفاً للوقت والجهد على المنصّات الدوليّة، وبالتالي ستغيب دائماً عن هذه المنصّات أبعاد ذاتية وجمعيّة وثقافية وجندرية وسياسية مهمة جداً لتحقيق عدالة تحويليّة وشاملة، ولإيجاد حلول تتناسب وواقعهنّ ومتطلباتهنّ وحقوقهنّ.