دخلت تحضر الطعام في المطبخ، آذان المغرب قد اقترب ولم يبق لديها الكثير من الوقت. وضعت البطاطا في المقلاة، وانشغلت بارضاع طفلتها، من دون جدوى٫ فالحليب قد جف من الصوم وقلة الغذاء.
نسيت المسكينة البطاطا، لتعود وتجد ان لونها تحول إلى بني قاتم. في هـذه الاثناء، كان الزوج قد استيقط على صراخ طفلته، ورائحة البطاطا المحروقة. هجم على زوجته، كوحش جائع وانهال عليها ضربا، مع سيل من الشتائم بحقها وعائلتها. تلفظ باقسى العبارات الا ان قلبه الحاقد لم يكتف بهذا الحد، فأخذ الرضيعة من يدها ورماها كما يرمي الكرة غير آبه بما يصيبها، والتقط عصا غليظة اعتاد ضربها بها كجلاد لا تعرف الرحمة إليه سبيلاً..
تقلص حجمها بين يدي جلادها. صرخت مستغيثة بالجيران طلبا للمساعدة. الباب كان موصدا ولا يمكن فتحه إلا من الداخل. بدأ الجيران بطرق الباب بشدة طالبين من الزوج أن يفتح لهم الباب. ركض طفلها ذو الأعوام الثلاثة، ليفتح الباب. وبعد محاولة عدة استغرقت وقتا طويلا تمكن الطفل من الوصول الى قبضته وفتحه، الا ان المسكينة كانت قد خارت قواها وتكورت على نفسها وقد نفش شعرها وازرق جانب عينيها وانصبغ جسدها الضئيل بألوان الأزرق والأحمر والأسود.
كان الزوج قد تعب من كثرة ما ضربها وركلها، أما لسانه النتن فلم يتوقف عن الشتم حتى طال رب العزة في عرشه بينما يرفع صوت الله أكبر في المساجد.
تدخل الجيران وبالكاد أبعدوه عنها، فأشارت بيدها الضعيفة إلى صغيرتها التي كانت تصرخ منذ أكثر من ساعة، قبل أن يبدأ النزال في حلبة المصارعة التي فرضها الزوج في البيت.
أخذه الجار الى بيته، وقد أتعبه حتى وصل، فوزن الزوج كان ثقيل، وزاد في ثقله عناده وإصراره على أنها تستحق الموت.
حتى أنه بعد أن جلس وشرب كاسا بارداً من الماء، أبدى ندمه، ولكن ليس على ضربها بل ابقاها على قيد الحياة.
في هذه الاثناء كانت الزوجة فقد فقدت وعيها، وبعد مساعدة الجيران لها، استفاقت من جديد الى هـذه الحياة التي لم يربطها بها شيء إلا أطفالها. استجمعت المسكينة قواها وحاولت الوقوف وضم صغيريها إلى حضنها المتعب، ثم جرت نفسها نحو الحمام تسكب الماء البارد على رضوض ملئت معظم جسدها.
جمعت بعض الأشياء التي تخص ابنتها، وغادرت البيت. لم يسمح لها الوحش باصطحاب ابنها، الصبي له انما البنت لها لأنها ستصبح مثل امها عندما تكبر.
غادرت المنزل، ولم تدر أين تتجه في هذا الليل، فبلدتها بعيدة وهناك الكثير من الحواجز لتصل إليهم. أمضت ليلتها في بهو إحدى المشافي القريبة وفي الصباح انطلقت إلى أهلها شاكية باكية…
أمضت شهراً كاملاً عندهم من دون أن يكلف نفسه عناء السؤال عنها أو عن ابنته. كان قلبه المتحجر يستمع إلى عقله الأعوج، في رأسه هو ابن الشام وابن الشاغور وهي ابنة الريف وشتان بينهما.
تدخل بعض الناس للصلحة بينهما، وامضوا شهرا يحاولون إقناعه بإعادتها إلى البيت. أما هي فكانت واقعة بين نارين، نار زوجها المتأججة دوماً، ونار فراقها لولدها الذي لم تره لشهرين متتالين.
اقتنع المغرور أخيراً، وقرر أن يكسر على أنفه كيسا من البصل ليعيدها إلى البيت، إلا أنه اشترط عدم ذهابه بنفسه لأهلها. كرامته لا تسمح له دخول بيت ربى بنات مثلها. يحرقن الطعام لأزواجهن وخاصة في رمضان. يا للجريمة النكراء التي ارتكبتها تلك الزوجة بحق زوجها. أتجرؤ على حرق صحن من البطاطا!!!
فعلاً ذنب عظيم. أعظم من ذنب قابيل وأخوة يوسف وبني إسرائيل. لو علم فرعون بذنبها لن نتوقع ردة فعله، هناك احتمال أن يامر بقطع يديها ورجليها أو أن يأمر بالقائها في زيت مغلي كما فعل بالماشطة…..
يجب أن تحمد الله وتشكره هذه الزوجة، فقد انعم عليها بزوج رحيم عطوف، اكتفى فقط بضربها وشتمها عقاباً على ما اقترفت يمينها.
مرت سنوات، ولم ينس الناس هذه الحادثة. صار ينظر إلى بسام بعين ساخطة ومستهزئة، ويذكر اسمه في مجالس الضحك والاستهزاء، إلا أن هذا كله لم يمنعه من تكرار ضربه لها وإهانتها كل يوم على كل موقف..
مارية
ديسمبر 7, 2018مافي تعليق ….العيشة للمرأة بهالبلاد اشبه بالجحيم