مستندةً الى جدار بارد
أدس رأسي بين ركبتي وألفه بكلتا يديَ , أحتضن نفسي بنفسي ,في تلك الزاويه الصغيرة جداً ….والمكتظة جداً ….والباردة جداً ….
دوي أصوات النساء حولي لا أكاد أفهمه ..أنا في عالم أخر
انني متسمرة عند لحظة ذكر اسمي على ذاك الحاجز , طالبا مني الضابط النزول , لبعض الاسئلة.
ناولت ابنتي هاتفي ومحفظتي وترجلت من الحافلة.
كان الوقت منتصف الليل , في تاريخ خروجنا من البلدة المحاصرة باتفاق مهين ينطوي اخراجنا تحت بند التحاق الرجال بالفيلق الخامس مقابل ايصال عوائلهم الى خارج حدود الحصار , وكنت مع أبي من ضمن أولئك الخارجين
نزلت من الباص وتوجهت مع الجنود الى الغرفة الصغيرة على تلك النقطة التفتيشية …
نبضات قلبي حينها تكاد تدوي مابين جبلين امتدت بلدتي بينهما ليسمع صدى لخوفي يتسرب من ملامح وجهي , وارتجاف جسدي النحيل الذي أضناه حصار السنة والنصف
دخلت الغرفه , ورأيت أربع نساء قد انزلهم الضابط قبلي لاشتباه بهم ,حالهم كحالي
تجمعن بخوف ..محشورات ببعضهن , يرتجفن ويتمتمن بأصوات خافته لا تفهم , وألاف من الاسئلة تبدو على ملامح اجسادهن المترنحة من الجوع تحت ثيابهن المبتله من أمطار تلك الليله القاسيه…
قاطعت أفكاري أصوات ضربات أتية عبر الجدارالمستندة عليه, أنها ارتطام رأس سجين في حائط الجهة الاخرى لمهجعنا ..فتلك كانت احدى طرق التعذيب التي علمت فيما بعد عنها …رفعت رأسي من بين قدماي , والتفت حولي
رأيت غريبات يرمقنني بنظرات أكاد لا افهم لها تفسيراً
سألت صبيه بجانبي: ما بال النسوة يرمقنني بتلك النظرات ؟
أجابتني : أنت وصديقاتك جديدات هنا , قد لا تلبثن زمناً طويلاً
تفاجأت من حديثها واعتلتني حالة من الفرح
أردفت تلك السجينة القديمة : أنه اليوم الثالث لكن هنا والى الأن لم يتم استدعائكن للتحقيق , لذلك فان باقي السجينات يرونكن خارجات من هنا في وقت قريب..عكسهن تماماً , فقد تم استدعائهن للتحقيق فور وصولهن الى هذا الفرع .
ارتابني شعور بالحزن فثلاث أيام بلياليهن كفيلات بأن تخلق حالةً من التألف والارتباط معهن
لاسيما أن بينهن المعلمة ..والرسامة والتاجرة .. والمذيعه.. وفتيات أبكار ,,وربات منزل وأغلبهن أمهات , كنت أستيقظ ليلاً على نحيبهن الخافت شوقاً لصغارهم
كنت أقف ما بين الساعة والأخرى وأتجول في أرض الغرفه بين السجينات لأن الجلوس لفترة طويله في مساحة ضيقة تكاد لا تتعدى مساحه بلاطة واحدة من السجن ..قد يصيبك بشد عضلي أو وجع في العظام
فليس امامي الا أن أروح ذهاباً واياباً بين ترامي 26 امرأة اثنتان منهن حوامل
اقتربت من باب السجن .. واسندت رأسي الى فتحته الصغيرة لاتنفس هوائاً نظيفاً بعض الشيئ
فعادت بي نسمات باردة الى تلك الليله
حين أعطى الضابط المسؤل على ذاك الحاجز أمرا بمسير الحافلات
فغادرت قافلة الأهالي وأولادي معهم متجهين الى منزل أهلي
وبقيت أنا والنساء الاربع على حاجز اسدي , لا ندري لما؟؟
ساقونا نحو مبنى قريب من الحاجز يقطنه الجنود , أدخلونا غرفةً لاحدهم, كنا قد مضى علينا أكثر من 32ساعة دون طعام
رأيت الخوف والتوتر في وجوه صديقاتي ولمست ضعفهن حين حادثتهن , وأيقنت أنه يجب عليَ أن أكون قويه , لأكون المتحدثة باسمهن
ناديت الجنود وطلبت طعاماً.
أحضروا لنا بعضه , وكاسات شاي محلى ..فنحن منذ مايقارب السنه لم نتناول السكريات بالكميات المطلوبه للجسد الطبيعي
في تلك الليلة كان همي الاكبر أن أبقي صديقاتي مستيقظن , أقفلت باب الغرفه من الداخل, رغم انهم قد أقفلوها من الخارج أيضا.
لا أدري كيف مضت تلك الليلة المرعبه ونحن وحيدات بين كل اولئك الجنود
طلعت شمس ذاك اليوم خجلة خلف غيوم شهر شباط كأنها تودعنا …..اننا لن نراها لزمن لانعلمه
في الساعة 7 صباحا توجهوا بنا نحو العاصمة دمشق قاطعين 19 حاجز امني في خط عسكري
وصلنا لمنطقة ما ,بعد ساعتين ونصف من المسير , فطلب منا أن نخفض رؤسنا …
أنزلونا من الحافله … كبلوا أيدينا… وأنا المذهولة تحت سؤال : ماهي تهمتي لأعامل بهذي الطريق؟؟؟؟؟
مررونا من بين جدران غرفة تفتيش أليه, تطلق صفيراً اذا وجد مع سجينة شيئاً ما .
أدخلونا مبنى أرضي .. فكوا وثاقنا ..
لقد وصلنا الى باب غرفة لم نكن نعلم أنها ستكون هي مكان اقامتنا لمدة من الزمن مجهولة
طلبوا من امرأة تفتيشنا , علمت فيما بعد أنها سجينة قديمة,أدخلونا الواحدة تلو الاخرى
فهناك على الوافدة الجديدة خلع ملابسها كلها ليتم تفتيشها ..تحت رحمة الخجل ……
وقفت قبالة المفتشة أمد يدي الى أزرار معطفي …وأنا أبكي لهول ما أنا فيه
قالت : انت من الريف الدمشقي ؟
لاتخلعي ملابسك , فأنا مثلك سجينة مظلومة, اذا خرجنا من هذه الغرفه تظاهري بأنك ترتبي ملابسك التي أخلعتك اياها وفتشتك
دخلت الفرع 227 ..وبدأت أيام اعتقالي تدون على جدار خلف باب الزنزانة بحصوة صغيرة كنت قد وجدتها تحت البطانيات التي مدتها السجينات تحتهن لردء برد أواخر الشتاء………….
Image: Clay & Knife
What do you think?