انتشرت إشاعة في البلدة، تفيد بأن البلدة محاصرة من كل جهاتها، وأن الجنود على استعداد تام للدخول بأسلحتهم، وأخذ جميع الذكور إلى المعتقلات والسجون وربما ذبحهم في الساحة العامة.
حين وصلت هذه الاشاعة إلى أذني الفتى ذو الأحد عشر عاماً، فما كان منه إلا البكاء بصوت عال صار يقفز في الهواء ككرة تضرب بشكل سريع. ملأ صوته البيت ووصل إلى مسامع الجيران.
راح يصرخ ويقول لأمه: “أمي خبئيني. لا أريد أن أموت. والله لم أقم بأي شيء. لماذا يريدون ذبحي”.
صار يركض يميناً وشمالا. يدخل الغرفة ثم يخرج منها. تقطّع صوته. جف حلقه. أراد شرب الماء لكنه لم يستطع أن يهدأ لدقيقة واحدة ليتمكن من الشرب.
حاولت أمه واخوته الخائفون أن يهدئوا من روعه. كانت دموعهم الحارقة تنسال على وجوههم.
قالت أمه: “لا تخف، لا أحد يريد أن يقتلك، هذا الكلام كذب”.
لم يكن يسمع كلام والدته، ففكره مشغول بالإشاعة، فهي قد دخلت إلى عقله وعششت فيه.
الجميع كان خائفاً، ولكن بدرجات متفاوتة، ورغم خوفهم، حاولوا تهدئته، ولكن من دون جدوى.
فجأة تذكرت زوجة عمه، قصة سمعتها سابقا، مفادها أن تستمع إلى المخاوف وتحاكيها ثم تجد حلا يرضي الخائف. سارت نحوه. تناولت كأس الماء وضمت الطفل إليها وربتت على ظهره ثم طلبت منه أن يشرب قليلاً، وقالت بصوت منخفض: “لا تخف. سوف أجد لك طريقة تختبئ بها. سأعلمك كلمات تجعلهم لا يرونك. اهدأ”.
هدأ الطفل قليلاً، استرعت انتباهه بحديثها. سألها: “أين اختبأ؟ هل أنت متأكدة من أنهم لن يروني؟ هل أنت أكيدة بأني لن أذبح؟”.
هزت برأسها لتجعله يطمئن. ابتسمت له وفي قلبها حرقة، وطلبت منه دخول الحمام وغسل وجهه. بعدها مسكت يده، ومشت به إلى غرفة مظلمة، وطلبت منه النوم تحت السرير، وعلمته كلمات من القرآن الكريم. قرأ الكلمات واستلقى وصوته يتقطع من الخوف كقلبه الصغير، ويداه ترتجفان كعجوز هرم. ألقت عليه عدة أغطية وسترت السرير حتى لا يظهر ما تحته.
نام المسكين حتى الصباح، وقبل أن تشرق الشمس فتح عيناه، الا أنه لم يتجرأ على الخروج من مخبئه. تفقد المكان من فتحة صغيرة جداً، راقب من خلالها المكان لوقت. وعندما تأكد أن المكان آمن، خرج من مخبئه ليتفقد باقي العائلة والبيت. وجد أن الجميع بخير إلا هو، فقد كان يشعر بالوهن العام وألم في البطن، وبدأ يتقيأ. لاحقا تبين أنه مصاب بمرض الريقان بنسبة عالية جدا وصلت حد الخطر.
دام مرضه عدة أسابيع ثم تعافى جسدياً لكن هذه الحادثة تركت في نفسه ندبة يعلم الله وحده هل تمحى أم لا!.
What do you think?