بعد وفاة أمها اضطرت رشا أن تأخذ مكانها. فصارت أماً لشقيقاتها الثلاث، وراعية لأبيها ومساندة لشقيقها وعائلته. صارت جسر البيت وعموده. مرت السنوات على هذه الحال. لم تكن تحلم بالزواج ولبس الثوب الأبيض.
حين بدأ الحراك الشعبي، كانت البلدة التي تعيش فيها من ضمن البلدات التي انتفضت.
دقت طبول الحرب ووصلت الى بلدتها التي شاركت في الحراك الشعبي. ما اضطرها النزوح.
استأجرت مع عائلتها بيتاً قديماً، تشعر فيه بأنك مهدد في أي لحظة بأن تكون بين أنقاضه. إلا أنه ومع انعدام البديل اضطرت العائلة للعيش فيه أشهراً عدة.
في أحد الأيام، قرع بابهم رجل من بلدتهم، عمره 60 عاماً، توفيت زوجته فجاء إليهم قاصداً الزواج.
لم يكن أمام رشا أي خيار، فقد بلغت 40 عاماً. وأمام ضغط المجتمع الذي يعتبر المرأة التي تتأخر بالزواج عانساً وكائناً ناقصاً، اضطرت إلى الموافقة.
فترة الخطوبة كانت قصيرة جداً. فالعريس لا يملك الوقت وهو على عجلة من أمره.
حدد موعد الزفاف، ودعيتُ إلى الحفل، كوني من البلدة نفسها.
حين وصلت، رأيت العروس تقوم بنشر الغسيل. لا إشارات توحي أن اليوم هو موعد زفافها. وجهها متعب، لا ملامح سعادة عليه. استقبلتنا بابتسامة أقرب إلى البكاء، ثم أدخلتنا إلى غرفة صغيرة، تحتوي على أثاث قليل، وضوء أصفر خافت زاد الجو كآبة وحزناً. جلسنا على الأرض، وحاولنا أن نخلق جواً من الفرح. نادينا العروس وطلبنا منها الجلوس على كرسي. كانت ترتدي ثياباً قديمة، وكان واضحاً أنها قضت كل يومها فيها، ولعلها لم تغيرها منذ يومين. طلبنا منها أن تظهر زينتها لنا، فاليوم يوم فرحها.
غابت قليلاً، ثم عادت وقد ارتدت ثياباً جديدة عادية جداً، لم تكن لتلبسها لو كانت إحدى المدعوات إلى زفاف إحداهن. دخلت العروس وفي يدها إبريقاً من الشاي وعلت وجهها ابتسامة صفراء وقد اغرورقت عيناها بالدموع، واعتصر قلبها على فرحها الذي ضيعته الحرب ونزوحها. تأثرنا بحالها، وحاولنا أن نغير الجو. فطلبنا من والدها الذي جلس بيننا من دون أن يتوقف عن الكلام أن يخرج قليلاً ويتركنا وحدنا معها، رغبة منا في تلطيف الجو، علها تشعر ببعض الفرح. وهذا ما حصل. استطعنا تغيير الجو قليلاً. بعد مضي ساعة تقريباً، جاء العريس ليصطحب زوجته البائسة إلى عش لم يكن له أصلاً، وليس فيه إلا فرشة وغطاءً وحصيراً ممزقاً، تبرع له بها بعض المحسنين. حملت رشا كيسين كانا وراء الباب، وضعت فيهما جهازها كله، وشرعت تودعنا واحدة تلو الأخرى.
لم تستطع الكلام، بل اكتفت بالبكاء على حظها العاثر. تتالت في ذهنها الصور، ومر أمامها شريط حياتها. اليوم هي عروس إلا أن فرحها ضاع بين اليتم والنزوح والفقر والحظ السيئ.
لعنت أيامها وظروفها. فبعد كل هذه السنوات والتعب والانتظار لغد أفضل، لم يحصل شيء. وها هي الآن تتزوج من دون أن تحصل على فرصة الشعور بأنها أنثى أو أنها تستحق الحياة.
OMRAN.H
أكتوبر 29, 2018من أجواء بلادي الغالية التقطت قصة من مئات آلاف القصص المحلقة في سماء الذكريات المؤلمة ..لامستي الواقع و خط قلمك صورا نتمنى ان لا تعود … سلمت يداك اختنا الغالية