أخبروني بأنه عريس “لقطة” وأني أصبحت “صبية” جاهزة للزواج فوافقت!
كان عمري سبعة عشر عاماً، عندما توقفت عن الدراسة (2015). أخبرني والديّ أنه من الخطير أن أسافر بين المدن والمحافظات كي أكمل دراستي، لا سيما في ظل هذه الحرب، وفي ريف إدلب، حيث نعيش. وقد أكد أني قد أتعرض للخطف أو غيره. هكذا اقتنعت وتركت الدراسة.
بعدها بعدّة أشهر، تقدم شاب في أوائل العشرينات لخطبتي، كان حسن الهيئة، محترم كعائلته، إلا أنه غير متعلم.
لعلكم لا تعرفون كثيراً عن بيئة الأرياف في بعض مناطق سوريا، والتي ساءت جداً خلال الحرب. وقد لا تعلمون أيضا كيف يتعاملون مع الفتاة عندما تبدأ سن المراهقة. حسنا سأخبركم.
عندما تبدأ الفتاة سن المراهقة، أي الثالثة عشر من عمرها، تبدأ جميع أساليب الحشد والإقناع، بأنها جميلة يجب أن “تُستر”. يجب أن تتزوج. يجب أن تتعلم الطبخ والتنظيف واستقبال الضيوف. وأن تعلم كيف تتأنق وتُجمل مظهرها كي توحي للجميع بأنها فعلاً جاهزة للالتحاق بقطار الزواج.
هذا بالضبط ما حصل معي. فما أن علم الجيران والأقارب والمعارف والأصدقاء بالشاب المتقدم لي، بدأوا حملة الإقناع والترغيب وتجميل الحياة أمامي. والدي اتبع أسلوب الترهيب، حذرني من أنني قد أصبح “عانس” إن لم أوافق.
لم يتذكر أحدٌ بأن يسألني عن رأيّ وقراري في هذا الزواج، لكوني صاحبة العلاقة الوحيدة، أو هذا ما ظننته.
كنت صغيرة حينها. لم أعرف في حياتي سوى المدرسة والأصدقاء واللعب. وفجأة تحولت إلى زوجة.
لم يمض أسبوع على زواجنا، حتى ضربني. الكدمات الزرقاء التي خلفها ضربه بقيت على جسدي أياماً طويلة. ما أن بدأ يزول أثرها حتى ضربني مرة أخرى، وهذه المرة تسبب بالتواء في يدي اليسرى.
مع مرور سنة على زواجنا، صرت أُضرب طوال الوقت. كلما غضب، كلما تشاجرنا، وكأنها أصبحت عادة لديه.
كان والديّ وأخوتي يقفون بجانبي عندما أترك بيت زوجي واستنجد بهم، ولكنهم لا يلبثون أن يرجعوني يرجعوني إليه، بعد أن يتم الصلح والاتفاق والوعود. فأرضخ وأعود ليعود الضرب والذل والإساءة اللفظية والجسدية.
بعد سنتين من زواجي انجبت طفل ذكر. حمدت الله كثيراً بأنه كان ذكراً، ليس لأني لا أحب الاناث بل لأنني أعلم جيدا ما قد تقاسيه الانثى مع رجل كزوجي، وشكرت الله لأن ابني لم يأخذ ملامح والده السادي.
ربما تظنون أني اعتدت الضرب والإهانة، ولكن هذا غير صحيح. آخر مرة ضربني فيها لم أترك المنزل، جلست مع نفسي وأخذت أفكر. أنا الآن أمام خيارين لا ثالث لهما.
إما أن أسكت وأقبل الإساءة والضرب وهذا الجحيم طيلة حياتي، أو أبحث عن عمل أتعلم منه وأخرج من المنزل بحجته، واستقل بمصروفي تمهيدا لأن أستقل في حياتي.
وفعلاً هذا ما حدث. انضممت إلى مركز، يعطي ورشات تدريبية طويلة ومختلفة تستهدف النساء بشكل خاص. خلال هذه الورشات كنت أصطحب ابني معي. وبعد انتهائي من التدريب، أصبح لي مهنة (كوافيرة) وراتب شهري.
حين بدأت العمل، صار لي حياة مختلفة، أرى العالم من خلالها. أصادق، أتعلم، وأتناسى الألم. أما زوجي فقد سمح لي بالعمل فقط لأنه طمع بحصة من راتبي.
حتى الآن لم أتخلص من زوجي، أي أنني لم أتركه بعد، ولكنني أعلم جيدا بأنني على مقربة من أبواب الخلاص والتأسيس لحياة جديدة، بعيداً عن العنف.
أنا على يقين بأنني أصبحت قادرة على خوض الحياة بمفردي، وتربية ابني من دون مساعدة.
هذه التجربة المريرة علمتني الكثير. علمتني بأن العلم مهم في كل الأوقات، ضروري في أيام السلم، وأكثر ضرورة في أيام الحرب. العلم هو الذي يصنع مستقبلنا، من دونه لا يمكننا الاستقلال. العلم هو من يجعلنا قويات.
رسالتي لمن تقرأ قصتي الآن، تعلمي. جابهي، قاتلي وتحدي الظروف. ابحثي عن العلم والمعرفة فهي سلاحك الوحيد. أما رسالتي للآباء والأمهات، هي أن تعملوا أطفالكم مهما كلّف الأمر، لا تغتالوا طفولتهم بالعمالة أو الزواج المبكر. لا تجرموا بحق أولادكم.
What do you think?