ليلة الزلزال الأسود
لم تكن ليلة عادية وإن كان ظاهرها السواد
استلقيت على فراشي وغرقت في سبات وما إن كانت الرابعة والنصف حتى أتتني الاتصالات متلاحقة فهم يعلمون أن إخوتي في الجنوب وخاصة أن مداها وصل إلى دمشق. هرعت مسرعة لأتذكر أرقام إخوتي. الأمر أشبه بالكابوس، لوهلة تذكرت أيام الحصار في الغوطة.
لا وقت لدي، يجب أن أكلّم أخي وأختي لن أدع الذكريات تعود ثانية. ليلتها كانت عاصفة ومثلجة والحرارة تحت الصفر بدرجتين يا إلهي ماذا سيحل بهؤلاء الناس؟ اعتقدت أنهم سيعودون لكن جاءت هزة أخرى وهنا بدا الأمر وكأنه لا يتوقف تابعت اتصالاتي أين ستنامون؟
وما إن ولد الصباح بدأت تصل الصور كانت محزنة للغاية هناك مئات الآلاف تحت الأنقاض مدن بالكامل منكوبة.
الطرق مغلقة، الناجون يبيتون في العراء.
عادت ذاكرتي الكئيبة لأيام الغوطة، تباً لها لا تستطيع تذكر إلا الأشياء المحزنة.
هرعت أتصل بالإخوة والأصدقاء وأذكرهم بأنه يوجد مأوى آخر…
لم تكد تسعفني ذاكرتي بأناس فبدأت أتذكر واحداً تلو الآخر. صديق والدي كان هو الناج أم الحزين الوحيد، هو وزوجته فقط لأنه كان خارج تركيا أما أولاده وأحفاده فباتت تخرج أسماءهم واحداً تلوا الآخر والعداد يعد نحو ارتفاع نسب الضحايا لقد بات خروجه نقمة عليه تمنى لو لم يخرج.
صديقتي فاطمة جميع أقاربها في هاتاي، كنت كل يوم انتظر أن تقول ها قد خرجت… وكل ما نسمع أن هناك شخصاً ناج نفرح ونقول ولد من جديد. لقد كانت خيبات الأمل أكثر مما التوقع ونعزي أنفسنا أن صاحب الهدم شهيد.
تتوالى الأيام وفاطمة على انتظار لم تكن أياماً عادية ونحن ما إن يخرج الصباح ونحن ننتظر الفرج. يارب اقسم لهم الحياة بات خروجهم أحياء شبه مستحيل بعد أن بدأت الروائح تفوح.
أين أنتِ أيّها الدول التي لديك تجارب في إنقاذ ضحايا الزلزال؟ كانت الاستجابة البطيئة يجب أن تكون ليلاً نهاراً.
لم يعد الجميع على قيد الحياة. في اليوم العاشر تمنت فاطمة فقط أن يعرفوا أي خبر. باتت تأتينا الصور والأخبار أنهم فقدوا حياتهم، الابن والابنة والأخت والجدة والأعمام، الأب والأم. كانت زوجة العم قد خرجت حية. الأذيات التي لاحقتها كانت كبيرة من موت ولد وزوج، لقد كان محظوظاً من نام ليلتها هانئاً في سبات عميق مع أسرته ولا أحد يرثي أحد.
أما الناجون مصابهم كبير
يارب آويهم يا من لا مأوى إلا إليك. مرت الأيام سريعة، وكنت أذكر أيام الغوطة في الحملة الأخيرة أذكر كيف حملت ابني وهرعت إلى الطوابق السفلية وما إن مكثت جالسة حتى حصل التفجير، وكأن الله قد أرسل لي بأن أسرع.
جاءت غيمة سوداء مع نار كثيفة وقصف بيتي آنذاك. لم أكن أرتدي إلا حجابي، خرجت مسرعة إلى دار عمي وقد كانت كل البيوت مدمرة. بحثت عن حذاء لم أجد. خوفي من صاروخ آخر جعلني أركض وأركض دون وعي، وتوالت الأيام ثقيلة كليلة الكيماوي لم أرَ ليلة كليلتها!
لا نستطيع صنع أي شيء، عشرة أيام من مطلع الفجر وطيلة الليل من البراميل والراجمات والميغ والفوسفور. صرت أميز جميع أنواع الطيران والقصف.
آسفة لم أحمل في ذاكرتي إلا هذه المأساة كل ما أبعدتها أتت مسرعة وكل ما تجاهلتها فاجأتني بصورها.
هذه صور منزلي وتعني لي الكثير وخاصة عندما شاهدت منازل الزلزال لم أر فرقاً بينها.
What do you think?