أمهات سوريات وحيدات يروين ما حدث معهن لحظة الزلزال
“إنها ثوان، ولكنني شعرت أنها استمرت لساعات” بهذه الجملة بدأت صفاء حديثها عن لحظات الزلزال التي عاشتها مع أطفالها الأربعة.
في صباح يوم الاثنين الساعة 4:17 دقيقة وقع زلزال مدمر ضرب 10 ولايات في جنوب تركيا والعديد من المدن والبلدات السورية في الشمال، وراح ضحيته عشرات الآلاف من أهالي تلك المناطق، بينما تهجر الملايين وفقدوا منازلهم.
صفاء 37 عاما، سيدة سورية تقيم في منطقة كركخان في ولاية هاتاي التركية، أكبر أطفالها بعمر 13 عاماً وأصغرهم 7 سنوات.
إنها القيامة
تقول صفاء “كنت نائمة واستيقظت، لم أعرف بالبداية ما يحدث ولكن الخوف جعلني أصرخ بصوت عالي حتى استيقظ أطفالي”.
تكمل “صرخت على أطفالي اخرجوا للشارع بسرعة، وحملت ابني الصغير وركضت مسرعة، صحت بأطفالي ابقوا أمام عيني دعوني أراكم جميعاً”.
بتلك اللحظات لم تفكر صفاء بنفسها وإنما كانت حريصة على حماية أطفالها وإنقاذ حياتهم، وشعرت أن تلك اللحظات ساعات طويلة بينما هي ثوان قليلة ولكنها كانت ثقيلة ومرعبة.
تنتظر صفاء لم الشمل، إذ أن زوجها يعيش حالياً في بريطانيا منذ سنة ونصف، وتضيف: “عانيت كثيراً ربما لو كان زوجي بجانبي لكان الأمر أخف ثقلاً علي، مسؤولية الأطفال وخوفي عليهم وعلى نفسي كان مرهقاً”.
بقيت صفاء مع أطفالها عدة أيام في مراكز وخيم الإيواء، ومن ثم تمكنت من الخروج إلى ولاية أخرى وحالياً تقيم لدى إحدى قريباتها بشكل مؤقت.
لحظات ذهول
أما ملك، أرملة سورية تعيش أيضاً في جنوب تركيا مع أطفالها الثلاثة، تخبرنا عن لحظات الزلزال الأولى، تقول “عندما بدأ الزلزال لم أدرك فوراً ما يحدث حولي، صحت بأطفالي وحضنتهم وانتظرنا حتى انتهت”.
تسكن ملك في بناية من 8 طوابق، وتعيش هي في إحدى شقق الطابق الرابع، حيث يتكون كل طابق من 4 شقق.
تكمل ما حدث معها ” عندما توقفت الهزة، فتحت باب الشقة وسمعت أصوات الجيران وهم ينزلون مسرعين، ولكنني لم أنزل، فأنا لا أعرف إلى أين أذهب”.
ولكن سرعان ما بدأت هزة جديدة قوية جداً، وبدأت حيطان شقة ملك تتفسخ وتتشقق وسقط بعضها، ما جعل ملك تخرج مع أطفالها مسرعة من دون حتى أن ترتدي حجابها.
تقول: ” عندما بدأت الهزة الثانية خفت كثيراً طلبت من أطفال الخروج حتى أنني لم أرتدي الحجاب والحذاء وكذلك أطفالي نزلوا إلى الشارع من دون أحذية”.
من أكثر الأمور صعوبة على ملك، أنها كانت وحدها مع الأطفال وتمنت في تلك اللحظة لو كان زوجها حياً، ربما لكان الأمر أخف ثقلاً عليها، هكذا أنهت حديثها.
فقدت القدرة على التفكير
عائشة 30 عاماً، أم لطفلين أكبرهما عمره 8 سنوات والصغير 3 سنوات ونصف، تسكن في شقة صغيرة في قبو بناء يتألف من 5 طوابق وقبو، وفي كل طابق 8 شقق سكنية صغيرة.
انفصلت عائشة عن زوجها منذ سنتين، وهي تحاول الحصول على الطلاق من خلال المحاكم التركية بعد معاناة طويلة من التعنيف المتكرر.
تقول “عندما بدأ الزلزال ركضت بسرعة وحملت طفلي الصغير، حاولت فتح باب الشقة ولكن الباب كان عالقاً، كان ابني الكبير يبكي ويسألني ماما شو عم يصير”.
استطاعت الأم فتح الباب وخرجت مسرعة تحمل ابن بيد وتمسك الآخر باليد الثانية، واستطاعت أن تخرج من البناء، حيث كان عشرات الأشخاص بالشارع مذهولين مرعوبين من هول الحدث.
في تلك الليلة، كان الجو بارداً جداً والمطر شديد وقبل ساعات كان الثلج يغطي المنطقة، بدأ أطفال عائشة يبكون من البرد، لأنها أخرجتهم بثياب النوم خوفاً عليهم من الموت تحت أنقاض البناء.
تروي عائشة “كنت مجبرة على العودة للمنزل لإحضار ألبسة ثقيلة وأحذية لي ولأطفالي، تركتهم مع رجل غريب في الشارع ريثما أحضرت حاجتنا من الشقة”.
في الأسبوع الأول من الزلزال، كانت عائشة عاجزة عن التفكير واتخاذ القرارات، أين تذهب؟ ماذا تفعل؟ ممن تطلب المساعدة؟ لذلك كان لابد من أن تلجأ لأخوها في أوروبا وتطلب منه أن يساعدها في تأمين سكن في ولاية أخرى بعيدة عن منطقة الزلزال.
حكايات لم تحكى بعد
عندما بدأت كتابة هذا المقال، كنت قد أجريت عدة لقاءات مع نساء سوريات عشن هذه التجربة القاسية “كارثة العصر” كما أطلقت عليها وسائل إعلام عالمية وعربية.
فكرت منذ اللحظات الأولى للزلزال بالأمهات الوحيدات، وكيف أن هذه الثواني الكارثية سيكون وقعها عليهن أشد وأثقل، وهن يحاولن أن يخترن أي من أطفالهن سيحملن وسيهربن به! فكرت بهن، لأي وجه سينظرن ويحاولن أن يشعرن بالقوة أو بالضعف لا فرق.
مضى على وقوع الزلزال أكثر من أربعة أشهر، ولكننا ما زلنا متأثرات بشدته وجبروته، وما تزال لدى النساء السوريات حكايات كثيرة يروينها، عن خوفهن وتشردهن وفقدهن وحاجتهن ودموعهن.
What do you think?