بدأ الأمر منذُ تتالي الخيبات. أجد نفسي مسؤولةً عن كلّ شيءٍ لأنّني امرأة! – وأعني هذا عندما أقول كلّ شيء- بالطّبع تشاركني في هذا نساءٌ عديدات تربطني بهم قرابةٌ شخصيّة، وأخريات أظلّ أشاهدهنَّ دائماً على مسافة متواضعة. كلّ امرأةٍ منّا تكافحُ في مكانٍ ما، وتلعب دوراً ما، أعياها وأعيانا.
بالتّأكيد يمكنني التّعميم وأنا مطمئنّة. أتشاركُ الهموم، والدّموع، والشّكاوى، والواجبات مع النساء كلّ يوم، وأحياناً عدّة مراتٍ في اليوم الواحد. فتيات أُرغِمْنَ، وأرغمتهنَّ الحياة على التّحولِ إلى نساءٍ لم يتخيّلنهنَّ أبداً.
“مو بدك مساواة” الجملة الشّمّاعة، الحلقُ الدّائمُ في الأذن، التّهمة والنّتيجة، الاستغلالُ والشّتيمة.
الشّمالُ السّوري “المحرر” حيث فرصِ العمل متوفّرة. تستوطن مشاق الحياة غير الطّبيعة التي تأبى الرّحيل، ويستبدّ الموت والتّشرد والرعب، طيلة سنوات الحرب في سوريا.
أكتب ما أكتب وأنا على درايةٍ كافية بأنّه ما من موقفٍ واضح سيتّخذ.
النساءُ في مجتمعي هذا اليوم أصبحْنَ ملاماتٍ، مرغماتٍ، مجبراتٍ على العمل، والبحثِ عن البدائل بفعل حربٍ خطفَت زوجاً، أو أخاً، أو والدين، وبسبب قصفٍ أقعد وأعاق كلَّ من ذُكر، ودراسةٍ لم تُحصّل كاملةً، أو نتيجة اكتفاء المجتمع بالمشاهدة، إذ يقلّب المحطات بين امرأة وأخرى وينتقد، يضع تقييمه السّلبي رافضاً المشاركة أو المساعدة.
حتى تتمكن المرأة من العيش في هذا المجتمع يجب أن تكون أكثر من خارقة، يجب أن تكون ابنة، زوجة، والدة، صديقة، ربة منزل، عاملة، ذكية، جميلة، مُدَّخرة ماهرة، سريعة التكيف، صبورة، قوية غير مسترجلة، هشّة وأنثى غير ضعيفة ومدلّلة. تكثر القوالب، وتكثر المهام. عذراً فأنا أحتاج زمناً طويلاً لأحصي كلَّ شيءٍ يتوجَّب على النّساء فعله.
المساواة قضيةٌ لا مساومة عليها، في الحقوق والواجبات، في الحياة بعيداً عن حصر الرّجلِ والمرأة بعلاقةٍ نمطيّة، بعيداً عن القوالب الجاهزة، والفرضِ والإجبار.
كيف تؤذي المرأة نفسها بعد سنواتٍ من الحشد بأعرافٍ بالية؟
عندما تشاء الظروف وتضعُ رجلاً في طريقها، فتحاول عبر فهمها المغلوطِ لمبدأ المساواة أن تصبح الرجل والمرأة، رغم وجود زوجها.
مثلاً: صديقة لي تدعى سيرين، تبلغ من العمر 26 عاماً. تزوجت من رجلٍ تتفاوت درجة التّحصيل العلمي بينها وبينه، فهي حاصلة على شهادةٍ جامعية في الهندسة، بينما هو حاصلٌ على الشّهادةِ الثّانويّة.
سيرين تفني نفسها وجسدها كلَّ يوم لإرضاءِ زوجها، حتى لا يشعر “بِالدّونية” على حدّ قولها. سيرين أصبحت أمًّا بعد أن أنجبت صبيّاً “يحمل اسم العائلة”، وتخرج للعمل منذ الساعة الثامنة صباحاً وحتّى الخامسة مساءً، ثمَّ تعود لتبدأ رحلة الطّبخ والتنظيف بعد أن تحضر طفلها من منزلِ والديها للاعتناء به تارةً، وبزوجها تارةً أخرى!
ما أثار دهشتي في هذه الحكاية أن سيرين كانت سعيدة، كانت مقتنعة تماماً بأنَّ هذا الدّور مفروض عليها، وأنَّ النساء هنَّ من طالبنَ بالمساواة في المرتبة الأولى. أتلاحظون وقع اللّوم على النّساء مرّةً أخرى، رغم بقاء زوج سيرين طوال اليوم في المنزل يمارس حياته بكل بساطة؟ مالٌ جاهزٌ للإنفاق، هدوءٌ وراحة، طعامٌ شهيٌّ، وفي المساء زوجة!
علمتُ فيما بعد أنَّ سيرين انفصلت عن زوجها بطلبٍ منه، بحجّة أنّها أصبحت “تميل للذكورة وأنَّ أنوثتها اختفت. تناقشه في كلّ شيء، وأنّها أنفقت مالها بشكلٍ شخصي مرتين (على نفسها وطفلها)”.
لم يعد هذا الرجل بحاجة زوجة بدت قويّة، مستقلّة، وخارقة، فتخلص منها. سيرين أفنت بضع سنواتٍ من شبابها لتثبت لهذا الرجل أنّها قادرة على كل شيء وتناست نفسها، وبدلاً من تفهمها وإعانتها ومشاركتها قام بتفاديها.
أحبّي نفسك قبل كل شيء دون نرجسيّةٍ أو أنانيّة، بمعنى أن تقدّري نفسكِ. لا بأس في أخذِ عطلةٍ من الواجبات، لا بأس بأن ترفعي صوتكِ وتتحدّثي. هناك ما هو لكِ بحق وما هو عليكِ.
هذا المجتمع يحبُّ التّطرف في أمورٍ عديدة. نراه يبارك عمل المرأة، وعلى الضفّة الأخرى يرى أنّ من واجبها فعل كلّ شيء بنفسها، ويلومها إذا تأخَّرت أو مرضت، إذا غضبت أو اكتسبت وزناً، إذا تعرضت للتّحرّش أو تذمَّرت. وتطول قائمة اللّوم.
قصصٌ عديدة عن نساءٍ أكثر من خارقات، يختبئْنَ في زوايا المنازل. قصصٌ عنوانها المرأة العاملة، وختامها رجلٌ كسول متطلب.
لسنا بحاجةٍ لأن نكون خارقات، لا نريد من المساواة المعنى المغلوط البارد والقاسي. نحتاجُ المشاركة، وأن نكون سنداً لبعضنا (الرجل والمرأة). نحتاج للدّعم والتفهم والتشجيع. نكره التطرف في قضيتنا، ومصطلح النّسوية عندما تعتمدون على شرحه بطريقة خادعة.
نحن لا نريد أن نمحوَ أدواركم ووجودكم، لكنّنا نسعى إلى المشاركة الفعليّة في كلّ شيء، ونسعى للمساواة الحقيقيّة العادلة بعيداً عن التّطرف.
What do you think?