بكلمات تحمل عبء المعاناة، وصوت يعتريه القلق، بدأت اللاجئة السورية ليال عبد العال 36 عاماً الحديث عن تجربتها مع العنصرية قائلة: “ما تختلقه جارتنا التركية معنا من مشكلات يتجاوز كونها مجرد سوء فهم أو اختلاف العادات، بل يعكس ما أعمق من ذلك.. العنصرية لا تفرق بين الأشخاص ولا تأخذ في الاعتبار جنسيتهم أو خلفيتهم الثقافية والاجتماعية”.
وتعاني ليال، التي حصلت على حماية مؤقتة بعد وصولها مع عائلتها إلى تركيا منذ عام 2013، من صراع التمييز العنصري مع جيرانها، ما انعكس سلبا على صحتها النفسية فبات شعور العزلة وفقدان الثقة بالنفس يسيطران عليها، وأصبحت أكثر حساسية في التعامل والتفاعل مع المحيط، على حد تعبيرها.
وتصف ليال نفسها، بأنها ودودة ومبادرة، تحب بناء العلاقات مع الآخرين/ات واكتشاف أنماط مختلفة من الثقافات، لكن شعور القلق المتزايد الذي سببته العنصرية لها جعلها عكس ذلك، وفق قولها.
اقرأ/ي أيضاً: الترحيل القسري يفقر النساء السوريات
وقالت ليال، إنّ بعض جيرانها/تها الأتراك الذين/اللواتي يقيمون/ن معها في نفس المبنى أو المباني المجاورة في حي سوتلو جشمه بمدينة إسطنبول، يتجاهلنها/ونها ويمتنعن/ون عن خلق أيّ أحاديث معها، “بينما ينظر البعض الآخر إليهم/ن كسوريين/ات بازدراء.
وأشارت، أن جارتها التركية التي تسكن معها في نفس المبنى، تتعمد محاولة استفزازها أو التشاجر معها هي وأفراد عائلتها بشكل متكرر، لكن أسوأ ما فعلته تلك الجارة هو الاعتداء على شقيقتها ليلى خلال زيارتها لها.
الجنسية التركية لا تحمي من الكراهية
تحكي شقيقة ليال، ليلى والتي تحمل الجنسية التركية، شهادتها حول حادثة الاعتداء عليها عندما توجهت إلى زيارتها لأختها في سوتلو جشمه.
” عندما صادفنا أنا وأختي الجارة التركية على مدخل المبنى، قامت الجارة بضربنا بالأحذية من دون أي سبب، صرخت بنا بصوت عالي وقالت لا مكان للسوريين/ات هنا، عودوا/عدنَّ إلى بلادكم/ن”.
وأوضحت ليلى، مع أنها أظهرت للجارة بطاقتها الوطنية التركية وتحدثت معها باللغة التركية، إلا أنها استمرت في الاعتداء عليها، محاولةً خنقها، قبل تمكنها من الإفلات منها بمساعدة شقيقتها.
وكإجراء قانوني، اتصلت ليلى بشرطة الحي أكثر من ثلاث مرات، لكنهم لم يصلوا إلا بعد مرور ساعة ونصف على وقوع الحادثة، إذ أبلغوها بضرورة إحضار تقرير طبي يثبت وجود إصابات واضحة لتتمكن من تقديم شكوى رسمية، على حد قولها.
وذكرت أنها قررت التنازل عن الادعاء لعدم وجود كدمات على جسدها، لكن تداعيات الحادثة بقيت عالقة في ذاكرتها، وباتت تشعر بالخوف من التعرض لمواقف مماثلة.
وختمت ليلى حديثها بالقول، ” الجنسية التركية منحتني حرية التنقل داخل وخارج الأراضي التركية، إلا أنها لم تحميني من التعرض للعنصرية ولم تمنحني الشعور بالانتماء كبقية المواطنين/ات الأتراك/التركيات”.
الطلبة السوريين/ات و التمييز العنصري
أفادت الطالبة السورية تولين العمري 16 عاماً، أن الضغط النفسي الذي تعرضت له نتيجة التنمر وغيرة زميلاتها في الصف، دفعها إلى محاولة الانتحار.
وقالت تولين، إنّ مديرة المدرسة اختارتها عريفة للصف بسبب تميزها وتفوقها السريع، برغم الظروف الصعبة التي عاشتها بعد الزلزال في مدينة أنطاكيا، والتي انتقلت على إثره إلى مدينة إسطنبول.
وأوضحت أن بعض زميلاتها كنّ يقللن من شأنها ويصفنها بنبرة مستفزة بـ “سوريالي”، وفي إحدى المرات اتهمنها أمام معلم الصف بالغش، وذلك بعد أن أجابت بشكل صحيح على جميع أسئلة امتحان مادة العلوم، مما دفعها لمحاولة الانتحار والتي على إثرها نُقلت إلى المستشفى وجرى إنقاذها.
ولم يكن الخريج الجامعي جود بمنأى عن العنصرية، إذ أشار إلى أنه لم يتمكن خلال سنوات دراسته الأربع من بناء صداقات مع زملائه/زميلاته الأتراك في الدفعة، لأنهم/ن كانوا/كنّ يستبعدونه/نه بسبب جنسيّته السورية، وفق قوله.
وصرّح جود، أنه كان يشعر بالحماس عندما دخل الجامعة في عامها الأول، وحاول مراراً التعارف والتقرّب من زملائه/زميلاته، لكنه لم يلقَ أي ترحيب منهم/ن، الأمر الذي جعله يشعر بالإحباط الأكاديمي والقلق المستمر خلال العمل معهم/ن على حلقات البحث الجماعية.
وأضاف جود، أنه لم ينسَ الأيام الأولى من دخوله الجامعة، فعندما عرف الأستاذة الجامعية أنه سوري الجنسية قالت له: “أنتم/ن تدخلون/ن الجامعة دون امتحان قبول، أليس كذلك!”، ثم ضحكت ساخرة في إشارة إلى أن الحكومة تمنح السوريين/ات تسهيلات دراسية دون الحاجة إلى مؤهلات.
وأردف، أن الأستاذة لم تتح له الفرصة لإخبارها بأنه يحمل شهادة الثانوية العامة وشهادة اليوس، وأنه اجتاز اختباري الرياضيات ومعدل الذكاء قبل أن يحصل على قبوله في الجامعة.
اقرأ/ي أيضاً: للجوء نكهات متعددة.. حكايتي مع المرض والعنصرية!
تداعيات العنصرية على السوريين/ات
أكدت المستشارة النفسية في تركيا دُرّة العوض، أن للعنصرية تأثيرات عميقة على السوريين والسوريات بشكل خاص، فهي تؤثر على ثقتهم/ن بأنفسهم/ن وبقدراتهم/ن مما ينعكس على تقديرهم/ن لذواتهم/ن، كما قد تؤدي إلى صراعات في العلاقات الشخصية والعائلية، مما يعمق شعورهم/ن بالعزلة والتهميش.
وأشارت أن التعرض للتمييز العنصري قد يؤدي إلى مشاعر مزمنة من الحزن والقلق، مما يزيد من احتمالية ظهور مشاكل نفسية، مثل الاكتئاب واضطرابات النوم والشعور بالتعب المستمر.
كما أن للعنصرية تأثيرات اجتماعية تسهم في إبعاد الرجال والنساء عن المجتمعات التي تعزز شعورهم/هن بالانتماء، كذلك إنها تحد من الفرص المهنية والتعليمية المتاحة لهم/ن، وبالتالي تؤثر سلبًا على استقرارهم/هن المالي والاجتماعي، وفق ما أفادت المستشارة النفسية.
وعن الحلول التي يمكن أن تقلّل من العنصرية وخطاب الكراهية تجاه السوريين والسوريات، شددت المستشارة على أهمية تشجيع المبادرات المجتمعية التي تدعم اللاجئين/ات وتوفر لهم/ن الموارد والفرص للتواصل والتعاون، مما يسهم في تعزيز بيئة أكثر إيجابية واحتواءً لهم/ن.
What do you think?