اسمي سلام، ولكن لا صلة لحياتي بهذا الاسم. يقولون عني هادئة، ذكية، وطموحة، أما أنا فأقول عن نفسي بأني مسالمة فقط. لا أتمنى الشر والمعاناة لأحد، ولكن لم يتحقق ما أتمناه أبدا. ولم تفدني نواياي الحسنة.
بدأ كل شيء عندما كنت أدرس في كلية الصيدلة بمحافظة حلب. كنت في سنتي الثالثة، عام 2014.
كان الوضع حينها سيء للغاية. فقدت العديد من زملائي وأصدقائي، وكنت بعيدة عن أهلي ومدينتي. لم يكن لدي القدرة على العودة وترك دراستي. وفي الوقت نفسه لم أكن أملك الشجاعة لأبقى.
في تلك الأيام لم أكن أرى سوى السواد. الناس كانت إما تموت بقصف أو مجازر، وإما تفقد أو تعتقل أو تنزح. كانت الخيارات عديدة والمصير واحد، فالموت هو سيد الحرب.
ما زاد جزعي أكثر حينها، هو اعتقال ثمانية وثلاثين طالبا من الصيدلة والطب والهندسة من منطقتي (ريف إدلب)، ما زاد الأمر سوءا أنني كنت أعرف معظمهم، فقد درسنا سويا، أكلنا سويا، وتشاركنا العديد من الأشياء كحال جميع الطلاب.
في تلك الفترة السيئة، قررت العودة إلى إدلب خوفا من المجهول والوحدة، وكانت هذه رغبة والدي أيضا.
وعندما عدت، بدأت رحلة البحث عن عمل، في أواخر سنة 2014.
وهكذا تحولت، من طالبة صيدلة إلى طالبة عمل مهما كان. البحث عن عمل كان صعبا لا سيما في مجتمع يحب أن “يرعى” الأنثى، ويفرض عليها حياتها كما يرغب بحجة الخوف عليها. هذا المجتمع لم يكن يرى الأنثى إلا ربة منزل أو طالبة أو معلمة أو ممرضة وما تلحقه من الأدوار الأخرى المنمطة كالخياطة.
فرضت علي الحرب أن أترك دراستي فلم أملك حق الأختيار، ولكنني قررت أن أختار عملي بنفسي هذه المرة. عمل أستطيع من خلاله مساعدة الناس ونفسي. أي شيء ممكن أن يفيد ويبعث البهجة والطاقة الإيجابية، والأهم من هذا كله، عمل ينسيني الحرب والخسارة.
بدأت عملي الأول في بداية عام 2015، كمنشطة لبرامج الدعم النفسي للأطفال. بعد تدريبات عديدة نجحت بهذا العمل بل وأحببته، فلا شيء أروع من البقاء بين الأطفال ورسم البسمة على وجوههم.
أصبحت مدربة متخصصة بالدعم النفسي وحصلت على شهادات عديدة. تحملت قذف المجتمع لي بأقسى الألفاظ والتهم. تحملت ساعات العمل الطويلة والمردود الضعيف. تحملت آلام الأطفال الذين صادفتهم، تحملت معاناتهم وظروفهم التي ولدتها الحرب. تطول قائمة ما تحملته. صمدت سنتين كاملتين من المحاولة والمساعدة والسفر. أصبحت أكثر انعزالا وبعدا عن الناس. لم أكن أتحمل رؤية المزيد من الأوجاع.
تركت العمل في بداية عام 2017 لأدخل في مجال جديد. ولكن هذه المرة بلا روح وبلا بهجة.
لماذا أعمل؟ لماذا تزداد آلامنا وتختفي أحلامنا رغم محاولاتنا الدؤوبة؟ لماذا خاطرت بحياتي من أجل دراستي وخاطرت بسمعتي من أجل عملي، والحياة لا تزداد إلا سوادا وبؤس؟
لم أكن يوما سوداوية. كنت سلام الفتاة الرقيقة، ناعمة الملامح رغم تقدم العمر، طموحة وايجابية، والآن أنا سلام الفتاة التي يحاصرها الاكتئاب، وتعيش على أدويته التي لا تزيدها إلا ألما جسديا إلى جانب آلام الحياة في سوريا.
أعلم أنني حالة من آلاف الحالات المشابهة لفتيات سوريات، وربما فقدن أكثر مما فقدت، وعشن أسوء مما عشت وقاسين الألم بشتى أشكاله، ولكنني غير قادرة على المتابعة، أنا أحاول وأشعر أنني عاجزة. عاجزة أمام عيون والدتي الحزينة على حالي، وعاجزة عن الإجابة على سؤال واحد فقط، متى يعم السلام في سوريا لأعيش أسمي بشكل حقيقي.. متى سأتمكن من أن أكون سلام؟
فرح
يناير 18, 2020يا ترى هل أصبح لإسمك صلة بشخصك ؟! مقال كله مشاعر و أحاسيس أتمنى أن تكون الأوضاع في سوريا تحسنت و أن تكون في سلام و أمان يا سلام مع متمنياتي لك بالتوفيق…