اليوم الثّالث من شهر رمضان 8/5/2019. استيقظت ظهراً على خبر سيطرة قوّات الأسد على بلدة “كفرنبودة” في ريف حماه، بعد أن كانت تحت سيطرة الفصائل العسكريّة، وبعد هَدْمِها بشكل ٍ دمويّ جوّاً، وبرّاً بكافّة أنواع الأسلحة الخفيفة، والثقيلة من قبل قوات الأسد، والرّوس.
ساعاتٌ قليلة، ومقاطع الفيديو المنتشرة من “كفرنبودة” تُبكينا، الرّوسُ يتفاخرون بالسّيطرة عليها. أنا لم أبكِ، ولكن تساءلت كيف لِجُنديّ روسيّ أن يلفظ “كفرنبودة” بهذا الشّكل الصّحيح. كم تباحثوا بأمرها، وأمر غيرها من مدن، وبلدات مُحافظَتَي إدلب، وحماه!
في هذا اليوم، “29” منطقةً في ريف محافظة إدلب. تعرّضت للقصف حتى هذه اللّحظة، والجميع يصرّح: نظامُ الأسد يصرّح، الرّوس، إيران، تركيا، لافروف، والفصائل العسكرية، بينما نحن نبني جبالاً من التّساؤلات، والعجز.
هذا اليوم. وجوهنا لبست صيغة الاستفهام الصّريح، جميعنا يسأل الجميع: “ماذا سنفعل؟” ، “ماذا لو تحرّكت قوّات الأسد، والرّوس نحونا؟”
هي مسألةُ أيّامٍ، ولربّما كانت ساعات. هل سيكون لدينا الوقت لتوضيب حقائبنا؟ هل سنجد مكاناً يأوينا؟ كيف ستكون ساعة الوداع الأخيرة إن وصلنا إليها؟ مُهَجَّرين على مهلٍ أم على غفلة؟
“سلام” إنسانةٌ مميّزةٌ في حياتي، نجلس اليوم سويّاً على سريرها، ونتجاذب أطراف الحديث من كلّ جهاته حتّى نسأم، أو حتّى نصل لطريقٍ غير سالك. لو رأيتمونا لظننتُم أنّنا محلّلتان سياسيّتان مخضرمتان. نعم، تعلّمنا الكثير خلال الحرب، إلى جانب المدرسة، والجامعة، والعمل، والحياة، تعلّمنا التّحليل. نتساءل إن نجونا هل سنجد عملاً، ونستقر حيث هُجّرنا؟ هل سنُهَجَّر أصلاً؟ سنُذبح أم سنُغتصب؟ وماذا عن أحبائنا، وذكرياتنا التي تتلاشى كلَّ ساعةٍ بصاروخٍ، أو قذيفةٍ، أو برميل. ماذا سنفعل؟!
النّاس تغادرُ أمامنا. جاهلين الخطوةَ التالية. آملين ببضعة أمتار “آمنةٍ” وصلبة.
أتدرون أنّي قد حزنت لرحيل، أو “نزوح” جارة لي اعتدت أن أدعوها بالثّرثارة؟ نعم، حزنت لرحيلها جدّاً. رحلَت فجرَ اليومِ الثّاني من شهر رمضان مع عائلتها.
قبل آذانِ المغرب بساعةٍ. سألتُ ممازحةً صديقاً قديماً لي. لاجئاً منذ سنتين في أوروبا عبر رسالة قصيرة: “لماذا لا تطمئنُّ علينا؟ ألا تشاهد الأخبار؟” فردَّ بكلمتين: ” الله يحميكن” ، وأنهى الحديث. تألّمت بشدّة لجفاء ردّه.
أيعقل أنّنا منسيّون إلى هذه الدّرجة؟ نحن السّوريون الذين اختبرنا سويّاً كافّة أنواع الألم والفقد والخسارة؟ كيف ننسى كلّ هذا فجأة؟ كيف تختفي الإنسانية، والشعور؟!
لكلّ إنسانٍ سلاحٌ خاصٌّ به، كالأسلحة النارية والكيماوية أو غيرها، أو كالتي نُقْتَل بها يوميّاً، وأنا اتّخذت من الكلمة سلاحاً محدّداً لي، ولكن ما الفائدة؟ فحتّى أكثر الأسلحة بطشاً في العالم، لن تستطيع تغيير القدر.
هذا التّاريخ الذي قُدّر لنا أن نعيشه بألم، فلماذا نحزن؟!
What do you think?