قبل يومين من الزلزال كنت مريضة جداً أعاني من سعال شديد وضيق في التنفس وارتفاع حرارة، وكنت حريصة على على أخذ الدواء بوقته ولكن لم تكن الجرعات كافية لأن الأطباء عادة لا يصفون أدوية قوية للحوامل، لذلك كان التحسن بطيئاً جداً.
ليلة الزلزال، الاثنين 6 شباط الساعة 4.17 دقيقة، زوجي مازال مستيقظاً يرعاني ويتأكد أن حرارتي مستقرة، وأنا في أول غفوتي بعد ليلة متعبة، سمعت صراخه: “آلاء قومي زلزال”. استيقظت بسرعة وسريري يهتز بقوة والغرفة تهتز وحتى حيطان المنزل تهتز، كل هذه الأمور أدركتها في أجزاء من الثانية.
نظرت لزوجي وتأكدت أنه يحمل طفلنا “حمودة”، لففت نفسي بالبطانية وأسرعت إلى باب المنزل، وأنا أسمع صوت الحيطان والأرض وكنت أصيح بصوت يرتجف: “البيت رح يوقع علينا”، مسكت مفتاح المنزل وحاولت أن أفتح الباب ولكن محاولاتي الأولى باءت بالفشل، سحب زوجي المفتاح من يدي بسرعة وفتح الباب، صدقوني لم تكن لدي ثقة أننا سنخرج أحياء من المنزل وكنت متأكدة في تلك اللحظة أن المنزل سيقع فوقنا.
خلال ثوان قليلة كنا في الشارع والأرض تمرجحنا وتأخذنا يمينا ويساراً، وأصوات الجيران وأطفالهم وعيون كل من حولنا شاخصة مرعوبة مذعورة من هول الحدث.
هدأت الأرض لثوان قليلة ثم عادت لتهتز مرة أخرى، لم نعد إلى المنزل فوراً ذهبنا إلى حديقة قريبة من المنزل ولكن لم نستطع الوصول إليها، لأن أهالي المنطقة كلهم تجمعوا بها، قررنا أن نركن سيارتنا في أي مكان بعيد عن الأبنية وننتظر حتى تهدأ الأرض.
تشرد
لم نستطع أن نبقى في المنزل يوم الاثنين 6 شباط/فبراير، بعد أن عشنا هزات شديدة خلفت في أنفسنا رعباً ورهبة وأفقدتنا ثقتنا في منزلنا الذي كنا نعيش فيها لحظات السكينة والأمان.
في النهار نتجول في المدينة لنرى حجم الخسائر والدمار ولنتأكد أننا مازلنا بخير، وفي الليل نركن سيارتنا على جنب ونحاول أن نسرق دقائق من النوم لنريح أجسادنا المتعبة، ولكن مع حجم بطني الكبير وخوفي على طفلتي قررت في الليلة الثانية بعد الزلزال أن أنام في أحد الملاجئ.
لم تكن تلك الليلة مريحة أبداً، كانت أعداد الناس كبيرة وجميعنا نفترش الأرض بالقرب من بعضنا، إضافة إلى الصعوبة الكبيرة في الدخول لقضاء الحاجة فلا وجود للماء ولا وجود للمحارم الورقية ولا وجود للنظافة، وتولد لدي هاجس العدوى أو الإصابة بالأمراض وبالتالي ربما يؤثر على حملي وطفلتي التي لم تولد بعد.
وفي نهار اليوم الثالث بعد الزلزال قررت الخروج من عنتاب والذهاب لمكان لا أشعر فيه بالهزات الارتدادية ويشعرني بالأمان والاطمئنان على عائلتي الصغيرة وحملي، وبدأت رحلتنا إلى أنقرة وأمضينا أكثر من 12 ساعة في الطريق، كانت ساعات متعبة لي ومليئة بالألم الشديد في أسفل بطني وظهري وتوقعت أنني سألد عندما أصل.
ولكن الحمد لله.. وصلنا بسلام
بعيداً عن الهزات
دخلت غرفة الفندق الساعة 4.30 فجراً، نمت على الفور، ولكنني استيقظت بعد ساعتين ونصف على صوت أختي الكبيرة، التي كانت تعيش مع والدي ووالدتي وأولادها الأربعة في منطقة اسمها كركخان في ولاية هاتاي التركية، إحدى المناطق التي تضررت بشكل كبير من الزلزال.
لقد كان بالي مشغولاً منذ لحظة الزلزال على سلامتهم، لم نستطع أن نتواصل بشكل جيد لأن الاتصالات في تلك المنطقة قطعت فور وقوع الزلزال المدمر، تفكيري كان مشوشاً ومبعثراً وموزعاً بين الخوف على نفسي وحملي وعلى زوجي وطفلي وعلى أهلي وأخوتي، جميعنا كنا في المناطق التي ضربها الزلزال.
حقيقة لا أعرف كيف أصف مشاعري بعد أن عشت هذه الكارثة الكبيرة، وقد تمنيت أن تكون كابوساً أستيقظ منه في أي لحظة، ولكنه مع الأسف أمر وقع، وقع على قلوبنا كصاعقة، سرق مني ذكرياتي في أنطاكيا وكركخان، وسرق صديقاتي التي تعرفت عليهن في تلك المناطق، كن أول من ابتسمن لي ودعونني على فنجان القهوة ليخففن عني غربتي.
رحلة البحث عن مشفى بديل
في الفترة التي حدث بها الزلزال، كنت قد أنهيت التحضير لمولودتي من ألبسة وسرير وغيرها من التجهيزات التي ترافق قدوم طفل جديد إلى هذه الحياة، كما أنني اتفقت مع طبيبتي على موعد إجراء العملية القيصرية لأنني في وضع لا يمكن أن أنتظر لحدوث ولادة طبيعية.
ويعتبر التواصل مع الطبيب/ة وبناء علاقة ثقة معه/ا من الأولويات التي تفكر بها أي امرأة حامل، ولكن مع هذا الحدث العظيم “الزلزال” انتهى كل شيء، وصرت إلى مرحلة جديدة من البحث عن طبيب/ة جديد في الولاية التي نزحت إليها، وكان هذا من أصعب الأمور التي واجهتها وأكبر تحدي بالنسبة لي.
منذ بداية حملي وأنا أرغب بالكتابة عن هذه التجربة، بالرغم أنه حملي الثاني ولكنه لم يكن عادياً بل كانت جميع مراحله مميزة ومليئة بالمشاعر المتنوعة، وأنا الآن في بداية الشهر التاسع وعلى موعد أن ألتقي بطفلتي التي اخترت لها اسم “صوفيا” في أية لحظة.
في الحقيقة كنت أود أن أخبركم، أنني لم أكن أرغب بأن أكون أما لطفل ثان، وأنني تفاجئت بنتيجة اختبار الحمل المنزلي، حتى أنني كنت متأكدة أن النتيجة ستكون سلبية ولكن ظهرت “خطين غامقين”، وتملكتني مشاعر الخوف والرعب من فكرة أن أحمل مسؤولية طفلين، ابني “حمودة عمره 4 سنوات ونصف” وطفل جديد، الأمر مخيف حقاً.
كنت أود أن أخبركم عن كثير من الظروف والصعوبات التي اختبرتها في كل مرحلة، ولكنني الآن وبعد أن عشت “الزلزال” نسيتها كلها، وسيطرت علي الكارثة بكل عظمتها وجبروتها.
كتبت هذا النص وأعتقد أن لدي الكثير لأكتبه ولكن من هول الصدمة يبدو أن الأحرف باتت ثقيلة ومرهقة.
ربما ألد في أي لحظة لا أعرف، فأنا الآن في شهري الأخير، وأتمنى أن ألتقي بطفلتي بصحة وسلامة.
What do you think?