ثلاث غرف صغيرة ، غرفة في المنتصف ، الحمَام والمطبخ متلاصقين ، والبلكون في غرفة الجلوس حيث تجلس العائلة وسؤالنا كان: كيف لسناء أن تلتقي بحسام تحت الدرج في مدخل بنايتها بمساعدتي دون أن نشعر بذلك أحد ؟
قصف وقنابل ورصاص، عمليّات كرّ وفرّ وصياح ، تراجع وتقدّم وصراخ ، ونحن نمسك بقلم الشفاه “الفوشيا” ونفكّر في جواب لهذا السؤال ..
فكّرنا مليّاَ ومليَاَ وأعدنا التفكير عبثاَ، ثم بدأنا بالطبخ .كانت عائلتانا جائعتين وهناك ربطة خبز واحدة وعلبتا “اندومي” وتسع قطع من البطاطا وعلبة زيت قلي . قشّرتُ البطاطا وسناء جهّزت المقلاة على الغاز الأرضي في زاوية بين الحمّام والمطبخ ، هي الزاوية الوحيدة التي يوجد بها تغطية في البيت كلّه ، وبدأنا القلي : ” يعني كيف بدو يجي اليوم وين ؟وشلون ؟ كنك مجنونة؟ انقتلتي عليه هلق ؟” ” مابعرف المهم اليوم حنلتقي الساعة عشرة بلليل اتفقنا ” .
في هذه المرة حملتُ في حقيبة نزوحي لبيتها هويتي وأوراقي و قلم شفاهي باللون ” الفوشيا “، لون الحياة كما قال حسام عندما رأى سناء تضعه يوما ، وأسماها منذ ذلك الحين ” أم الفوشيا ” ، وهي كلما رأت حبيبها يجب أن تضع هذا اللون ، وللأمانة كان الفوشيا يليق بسناء جدّا لأنه يمتزج مع لون شفاهها فيجعل منها فتاة حسناء بالغة الجمال وبالغة البراءة .
أصبحت البطاطا والاندومي جاهزتين للأكل ، و ما لبثتُ أن قلت : ” يالله عالأكل ” حتى اجتمع 15 نفرا فالطعام محدود خصوصاَ أن أفران الخبز مغلقة منذ يومين بعد أن فرّ أغلب الناس نتيجة ضربة ” الميغ ” ، إلا أن الأفران عادت للعمل في اليوم الخامس حينما فُتح الطريق وخرجنا ..
انتهى الأكل سريعا ، فخطر في بالي أن افتح اللابتوب المشحون الموجود في المنزل ، حملته وذهبت إلى الغرفة المتوسّطة .اشتدّت وتيرة القتال خارجاَ ،صوت مزعج للغاية دفعني لأن أفتح ملف الصوت الوحيد في اللابتوب ” حفلة صباح فخري جار القمر ” .ثم : جاءنا الوحي : سناء ستذهب بعد قليل لترى حسام على أنَها في الحمَام وأنا سأبقى أجلس في هذه الغرفة بين باب المنزل وباب الحمّام وإذا ما جاء أحدهم ليرى ماذا نفعل سيكون كل شيء محبكاً . وستكون كلمة السر ” ابعتلي جواب ” حينما أشغّل هذا المقطع يجب لسناء أن تعود فورا ..
جرى هذا الاتفاق أيضاً مع حسام ، حيث أنَه قبل أن يأتي، عليه أن يرسل رسالة على الهاتف المحمول ” ابعتلي جواب ” ، وبالفعل بعد قليل من الوقت أرسلها .
لا وقت لنضيّعه ركضنا بقرب المرآة ، و عيّنتُ ضوء الفلاش على شفاه سناء ، وضعت سناء اللون الفوشيا وأنا رفعت صوت صباح فخري لأتمكّن من فتح الباب ، فتحتُ الباب وركضت سناء .
صوت المدافع مخيف وصوت أبو سناء مخيف أيضا حين جاء راكضا ليطمئن علينا : ” انتو مناح ؟ وين سناء ، سناء منيحة ؟” ” اي ، اي ، سناء عم تتحمم؟ ” “و فاتحة صباح فخري عمي بدل ما تستغفري ربك؟” وذهب .
” استغفر الله العظيم ، الله لا يوفقك يا سناء ، الله لا يسامحك يا صباح فخري ؟ ” 28 دقيقة من الانتظار والخوف من فشل المهمّة وأخيرا صدح صوت صباح فخري ” ابعتلي جواب “، فتحت الباب وبدأت الغناء معه ” ابعتلي جواب ، ابعتلي جواب يا سناء ، ابعتلي جوااب وطمني ” ، وأخيرا ردت سناء الجواب .
زاد صوت القذائف ، غنَينا وغنَينا وصدحنا الصوت ، وضحكنا لنجاحنا .
حسام الآن مصيره مجهول لسبب ما وسناء بقيت تحتفظ برقمه وترسل له في كل مرة منذ 2013 ” ابعتلي جواب وطمني ” عبثاً , وأنا أرسل لسناء البعيدة جدا الآن ، سناء التي يفصل بيني وبينها قارتين و آلاف الكيلو مترات وحواجز ” ابعتلي جواب وطمنَي “.
القصة مأخوذة من مدونة سرد الرابط الأصلي
What do you think?