إلى سما”
بينما أتابع فيلماً وثائقياً على أحد الشاشات يظهر إعلان مختلف لا يشبه أي إعلان شاهدته، يملأ هذا الإعلان قلبي ويشد حواسي كاملة، فهو يعلن عن اقتراب عرض الفيلم السوري الوثائقي إلى سما”، أشعر بالانتماء لهذا الفيلم، وتأتي تلك الساعة التي تجتمع كل عائلتي حول التلفاز منتظرين اللحظة التي ستظهر فيها قصتنا السورية على الشاشة، نعم قصتنا، فهذا الفيلم يقص جزءاً من حرب عشناها، ويحكي جزءاً عميقاً من حياة آخرين كافحوا على أرضهم ومن أجل وطننا جميعاً، و عند انتهاء الفيلم بما حمله من مأساة و ما احتضنه من دموع و صرخات و ما تكرس فيه من موت لأحلام غضة و تصعُّدِ أرواح للسماء اعتزلت و بكيت مسحت دموعي و التجأت للكتابة فهي الملاذ الأول و الأخير لي الكتابة التي أدمن عليها فكانت هوساً و شغفاً و مأمناً لي.
ثم ما الذي كتبته ؟.. كتبت ما شعرت أنهم قالوه و عاشوه و يعيشونه..و على إحدى صفحات دفتري الذي أثقله الحزن و أنهكه التعب إثر الحكايا التي مزجت فيها دموع أناس حاربوا و ناضلوا و بذلوا الأرواح في سبيل أوطانهم ، على تلك الصفحة قصصت بلسانهم
(كانت حافلتنا هي الأخيرة .. قلت لها .. لمدينتي الساكنة الخالية إلا من أشلاء الأطفال ، لا تقلقي يا حبيبتي سنعود لا تقلقي سنعيد بناء كل بيت فيك و الصرخة الأخيرة كانت سنعود .. هنا ، كل التماسك الذي ناضل و استمر ، كل القوة ، كل أسباب البقاء فينا ، انهارت دفعة واحدة و أجهش الجميع في البكاء ، بكينا حتى نفدت الدموع ، لم ينطق أحدنا ببنت شفة ، كان كل منا يحاول ترميم ما بقي منه ، بكينا كل الأشياء التي ماتت فينا و ذلك يعني أنّنا بكينا كُلَّنا فكل شيء فينا مات ، كلّ شيء فينا بكى ، كل خلية فينا نشجت حتى أُنهِكَت ، لكننا كنا أقوى من أن نتوقف هنا ، صوت بداخلنا كان لا يزال حياً أو أنه ولد الآن ، في تلك اللحظة ولد ، كان يدفعنا للمُضِيِّ قُدُماً و هذا ما فعلناه ، لم نكن لنتوقف هناك ، صحيح أننا لا نستطيع أن ننسى فحتى بعد رحيلنا لازلنا كلما نام الكون و كلما انزوى كل واحد على أحلامه لازلنا ننزوي على فتات ذكرياتنا نحتضنها و نبكيها من جديد نبكي فيها كل ما عشناه كل ما شاهدناه من جثث الشباب و بقايا الأطفال و عويل الأمهات و استماتة الآباء ، و في نهاية المطاف و بعد أن يرى النوم أننا أُنهكنا بالكامل يأتي ليظلل علينا، و في الصباح ننهض من جديد نوقد أملنا و دوافعنا نشعلها جيداً و نكمل مسيرتنا المميزة مقتحمين معارك جديدة خلاقة ..
هدير
مارس 2, 2021راااااااائع جدا 🙂