رغم أنه لم يكن قد تجاوز الرابعة عشر من عمره، إلا أن ولعه بالسيارات جعله ماهراً في قيادتها منذ الصغر.
تعلَّم أبو جواد قيادة السيارات في صغره، فأتقنها جيداً حتى لقب بـ”الرالي” لمهارته العالية. كان يقود بشغف كبير في شوارع مدينته الصغيرة. كان مفعماً بالحيوية والنشاط، إلى درجة تمكنه من نقلهما إلى الآخرين.
أبو جواد، شاب في ربيعه الثالث. عاش حياة مليئة بالمخاطر، من ساحات سباق السيارات إلى ساحات القتال في المعارك. لم يكن يعرف أن مهارته هذه ستنتقل معه إلى ميدان حرب حقيقية فيما بعد، وتملأ حياته بشكل كامل.
فعندما اندلعت الثورة السورية، وبدأت قوات الأمن التابعة للنظام السوري بحملات القتل الممنهج ضد المدنيين، وجد أبناء الغوطة أنفسهم، كما في المناطق الأخرى، مضطرين إلى حمل السلاح للرد على الاعتداءات التي يتعرضون لها، وحماية المدنيين من بطش قوات النظام التي لا تملك أي ذرة من المبادئ والدين والأخلاق.
أبو جواد كان واحداً من هؤلاء الذين وضعوا على عاتقهم حماية المستضعفين من أبناء غوطتنا. لم يتوانى عن واجبه تجاه بلده، مستغلاً خبرته التي اكتسبها سابقاً في قيادة السيارات.
بدأ أبو جواد عمله الإنساني في العام 2012، أثناء تحرير حرستا من بطش النظام. يومها سجلت لهم انتصارات في هذه المعركة. تحول أبو جواد من شخص يقود سيارته بسعادة ومرح إلى شخص يقود سيارة إسعاف بخوف وقلق، بهدف إنقاذ أكبر عدد من المصابين، جراء القنص والقصف بشتى أنواعه من طيران ومدفعية وغيرهما.
المعارك المتتالية في المدينة راح ضحيتها كثر. وفي إحدى الغارات التي استهدفت نفقاً للثوار في المنطقة، والتي سقط ضحيتها أكثر من 50 شاباً، كان أبو جواد واحداً من المتضررين، حيث نال نصيبه من استنشاق الكيماوي وأصيب جهازه التنفسي.
ما اضطره إلى الرحيل عن الغوطة سعياً للعلاج. النظام سهّل خروج أبو جواد وزوجته وأطفاله الخمسة عن طريق المخيم. لكن ما لم يعلمه ذلك الشاب أنّ وراء هذا التسهيل كمينٌ.
فقبل وصوله إلى المشفى أُلقيَ القبض عليه مع زوجته وأولاده بتهمة الإرهاب. كيف يمكن لشاب خلوق وانساني، كان سبباً لراحة آلاف الأشخاص وحفظ حياتهم، أن يتهم بالإرهاب؟! بعد عدة أيام تم الإفراج عن زوجته وأولاده، وأبقي على أبو جواد. علمنا لاحقاً أن اعتقاله كان نتيجة تقرير مقدم ضده من قبل صديق له. بقي أبو جواد عاماً في السجن.
في هذا العام واجهت زوجته ظروف حياة قاسية. اعتقلت أربع مرات على ذمة التحقيق. قصدت كل فروع المخابرات لتعرف مصير زوجها، فقوبلت بأشد أنواع التعذيب النفسي والجسدي. إلا أنها لم تفقد الأمل بلقاء زوجها إلى أن علمت أنه توفي تحت التعذيب. أبو جواد لم يكن أول شخص يموت تحت التعذيب الممنهج في سجون النظام، ولن يكون الأخير.
جريمته الوحيدة أنه حاول إنقاذ حياة المدنيين. فدفع حياته ثمناً لحياتهم.
الصورة المرفقة هي عمل فني للفنان السوري ديلاور عمر
What do you think?