تركوا بيتهم قسراً بعد قصفه بإحدى الغارات. انتقلت “أم محمد” مع زوجها وأولادها الثلاثة، هبة وغادة وابنها الصغير محمد، إلى منزلٍ بسيط مكون من غرفة ومدخل صغير.
بيت صغير، ضيق، يقع في الطابق الأرضي. يتألف من غرفة وحيدة، جعلوها غرفة نوم ومطبخ في آن واحد. وللبيت فسحة صغيرة أمام بابه. سكنت “أم محمد” هذا البيت الضيق مرغمة. فلا خيار آخر لديها.
يومياً، عند الشروق، يذهب أولادها الثلاثة إلى مضخة المياه القريبة منهم، لإحضار المياه من أجل حاجاتهم اليومية.
إلا أنه في ذلك اليوم تحديداً، كان محمد متعباً، وأخبر أمه أنه لن يشارك شقيقتيه في جلب المياه وسيبقى في المنزل ليرتاح.
كان محمد يجلس في الفسحة الصغيرة أمام المنزل، فيما كانت أمه في الداخل، تحضر له الطعام، طبق مكون من الخضار فقط، فلم يكن هناك شيء آخر متوفراً نتيجة الحصار.
في هذه الأثناء، سمعت “أم محمد” صوت طائرة حربية، تابعة للنظام السوري. لم تشعر بالخوف، فلقد اعتادت هذه الأصوات. وما هي إلا لحظات حتى سمع كل أهل الحي صوت الصاروخ العنقودي يصفر بالقرب منهم.
لم يخطر في بال “أم محمد” أن منزلها سيكون هدفاً للصاروخ هذه المرة أيضاً. دمر مدخل بيتها ومدخل البيت المجاور.
تصاعد الدخان والغبار وحجب الرؤية عن “أم محمد” التي كانت في الغرفة. بدأت تنادي أولادها، لكن لا جواب. لم تدرك “أم محمد” كم مر من الوقت، فلقد توقف الزمان عندها إلى أن رأت ابنتيها تعبران فوق الركام وتدخلان المنزل، إلا أن محمد لم يكن معهما.
بدأن بالبحث عنه، فوجدن جسده الصغير قد طمرته الحجارة المهدمة.
في هذا الوقت كان عناصر الدفاع المدني قد وصلوا وأسرعوا باخراج محمد من تحت الأنقاض.
كان محمد غائباً عن الوعي حين حملوه إلى سيارة الاسعاف. بدأت الام بالصراخ:
“ولدي محمد لا تدعوه يموت، أنقذوا ولدي”.
كانت كل ما تخشاه “أم محمد” ألا يعود ولدها، أو أن يعود بكفنٍ أبيض. إلا أنه عاد حيّاً، لكن مع قدمين مبتورتين.
لم تعرف العائلة كيف تحدد مشاعرها. هل تفرح بعودته حياً. أو تحزن على قدميه المبتورتين. لكن في النهاية كانت أنفاس ابنها بالقرب منها، تحت سقف المنزل المدمر، مصدر أمل وفرح. كان يكفيها وجوده.
محمد لم يكن الطفل الوحيد من الغوطة الشرقية الذي سرقت الحرب جزءاً من جسده أو بترت عضواً منه، هو واحد من آلاف الأطفال والشبان الذين أصيبوا بإعاقة دائمة نتيجة للقصف العشوائي من الطيران الحربي السوري.
العمل الفني للفنانة السورية ريم يسوف
What do you think?