“في كل يوم وفي كل لحظة أختلي بها بنفسي، تمر عبارته بخاطري، عندما قال لي أنه لن يفرقنا سوى الموت” تقول هدى، وتكمل: “يرفض ذلك المشهد مغادرة ذاكرتي، تتشبث جميع تفاصيله بها، مثل لمسة يده وابتساماته مع تسريحة شعره حتى رائحة عطره، حينها كانت عائلتي وعائلته فرغوا من قراءة الفاتحة، وحددوا موعداً لعقد القران، فتسلل كلانا إلى سطح المنزل، بعد أن تولت أخته إشغال انتباه الجميع عنا”.
“ليلة ذلك اليوم لم يغفل لي جفن، أمضيت ليلتي وأنا أتخيل حياتي مع خطيبي مصطفى كيف ستكون، رسمت الكثير من المحطات بقلم التفاؤل، وتخيلت الكثير، لكن لم يخطر على بالي بتاتاً أنه سيرميني عند أول محطة، عند أول مطب يعترض علاقتنا، دون أن يسمعني، أو يقدر الحب الذي بلغ الثلاث سنوات، في حين أصبح جل همه ألا يقال عنه خطيب المعتقلة هدى”.
تتوقف هدى للحظات ثم تتابع: “أنا هدى كما أحب أن أقدم نفسي في هذه الشهادة التي ستنشر ضمن حملة المعرفة لكسر الوصمة. إذا سألتموني لماذا لا أعطي اسمي الحقيقي؟ فسأجيب: تجنباً لوقوع خلافات مع أهل خطيبي السابق ومع أقاربنا، لكنني واثقة لو أن مصطفى قرأ هذه المقالة، فسيعلم أنها مني خاصة أنني لم أغير اسمه، بل وسميت نفسي كما كان ينوي أن يسمي ابنتنا الأولى في حال تزوجنا. ربما عندما يقرأها سيخجل من نفسه بعد ما فعله معي، ولعل قصتي تحث شباب آخرين ألا يقوموا بما فعله مع فتيات أخريات”.
“أنا المعتقلة كما ينادونني الناس حالياً، بينما أسمي نفسي الناجية كما يجب أن يراني الجميع، أنا فعلاً نجوت بأعجوبة من المعتقل، نجوت من رحلة كانت كفيلة بسلب حياتي وتدميرها، لكنني لم أنجو من الوصمة بعد”.
تسرد هدى:” بدأت حكاية اعتقالي في 2013، كنت في طريقي إلى حمص كي أكمل دراستي الجامعية، عندما اقتربت من السقيلبية أوقفني حاجز، فتم اعتقالي بتهمة التعامل مع الإرهابيين، وقد هددني أحد العساكر: “سترين اليوم شيئاً، لم ترينه في حياتك كلها، سأجعلك تحفظين وجهي في ذاكرتك للأبد”، لا يستطيع أحد تخيل مقدار الفزع الذي اجتاح قلبي من هذه الكلمات” ثم تكمل هدى “مر تقريبا 10 ساعات، ثم قالوا لي أنه تم الإفراج عني، وذلك لأن والدي استعان بشخص من قريتنا عنده علاقات مع النظام ودفع له مال فتمكن من إخراجي”.
” طبعاً عدت إلى المنزل ولم أكمل طريقي إلى حمص، عندما وصلت إلى المنزل، تعجبت لأنني توقعت من مصطفى أن يكون أول المطمئنين على حالي، لكنني لم أجده، ظننت أنه مشغول، بينما عكست ملامح وجوه عائلتي شيئاً لم أفهمه. في المساء اتصلت بمصطفى فأجابني فور معرفته صوتي: “أنت بطريق وأنا بطريق”، قلت بنفسي: “إذا كانت ردة فعل حبيبي بهذا السوء، فكيف ستكون ردة فعل الناس؟”.
تكمل هدى ما جرى بعد الانفصال عن خطيبها وتقول: “بسبب انفصال خطيبي عني، اعتقد الناس أنني تعرضت للاغتصاب، وخاصة أن نسبة كبيرة من الشباب لا يقبلون الزواج إلا بعذراء. لكن ذلك غير صحيح فأنا لم أتعرض لأي عنف جسدي أو تحرش، سوى كلمات إيحائية ونظرات مقرفة من العساكر بجانب صفعة على وجهي من واحد منهم”.
“صارت قصة اعتقالي سيرة يتسامر بها الناس في جلساتهم وجمعاتهم، طبعاً مع قصص مؤلفة عني، يضيف لها كل شخص أحداث كما يحب ويشتهي، حتى أن أبي وأمي صاروا يكرهون الخروج من المنزل بسبب نظرات الناس، أو الكلام المزعج منهم، وتصاعدت الأحاديث من الأقرباء وأهالي القرية مما أدى إلى انقطاع العلاقات بيننا وبينهم، بالإضافة لوقوع بعض المشاكل”.
“قررت الخروج من ذلك الجو، وتعويض نفسي عما فات، فكلما سمعت بدورة تدريبية في القرية أو في القرى التي حولها، كنت أسجل اسمي واحضرها. وهكذا حضرت دورات في مجالات مختلفة من التعليم والدعم النفسي وتمكين المرأة وغيرها، وبعدها صرت أعمل بما يتناسب مع خبرتي، فتنقلت في مناصب وظيفية مختلفة، وبرواتب جيدة، وبالتالي لم أعد أكترث لكلام الناس ولا لما يقولنه، فما يهمني الآن هو العمل ومساعدة نفسي مادياً ومعنوياً”. تتوقف عن الكلام هدى وتضحك.
من ناحية الزواج تحكي هدى:” بعد أن مر على قصة اعتقالي ثلاث سنوات تقريباً، تقدم الكثير من الشباب لخطبتي، لكنني لم أقبل. وخلال فرص عملي، تعرفت أيضا على رجال أعجبوا بشخصيتي، لكنني لم أعطهم فرصة، لأنني قررت ألا أتزوج، حتى أجد الشخص الذي يستحقني بجدارة، الشخص الذي يقاسمني أحزاني قبل أفراحي”.
تختتم هدى حديثها: “سبب مشاركة قصتي بالحملة هو تشجيع الناجيات على تخطي تجربة الاعتقال، ومواجهة السلبيات التي تنتج عنها بكل شجاعة، بجانب ذلك أن يحاولن قدر الإمكان على أن يكون مستقلات مادياً، ويعملن على بناء أنفسهن من كل النواحي، إضافة إلى توعية الناس حيال مواقفهم تجاه الناجيات، ولنسع لكسر الوصمة”.
What do you think?