بين “صباح الخير” و “good morning” و “Bonjour” وتحيات صباحية أخرى بلغات ولهجات مختلفة، هكذا أصبحتُ ابدأ صباحي منذ أقل من شهرين، كلاجئة سورية حديثة في دوقية لوكسمبورغ!
بدأتُ أسمع اسمي بلفظ جديد، بدأتُ أعتاد أن لي كيان، وأن لي حقوق، ولدي ضمان. للمرة الأولى منذ سنوات عديدة امشي في الشوارع دون خوف، اتسوق دون عجلة، وإن مللتْ أخرج إلى الطرقاتِ ليلاً لأشاهد الأضواء الملونة ولا أخشى قطع الكهرباء، فلا ظلمة مقصودة هنا ولا فساد.
إنها المرة الأولى منذ نضوجي لا أكره فيها تساقط الثلج وهطول المطر، فأنا لن أبرد هنا ولن أتبلل، اساسياتُ العيش البسيطة متوفرة ولم أعد أخشى فقدانها.
ورغم كل شيء جوفي فارغ، منذ أيامٍ قليلة بدأت عهداً جديداً في حياتي، يسمونني لاجئة، أنا في بقعة تفصلني عن عائلتي وأحبتي وأصدقائي ألاف الأمتار. يتهمنا البعضُ بالخيانة والهروب، التخاذل وينسى سنوات خذلاننا التي تستمر وتجدد بكل قسوة. بين الأمان والانكسار نحن كسوريون تائهون، تجدد أملنا بمستقبل مختلف وآمن، لكننا دوماً نصمت ونتراجعُ خطوة ونسأل انفسنا باستمرار ماذا عن البقية؟
إن كنت محظوظاً كفاية ستُقتلع من جذرك يوماً ما لتجد نفسك في إناءٍ مبرهجٍ جديد، قبل أن تحطمك شظية طبعاً. وإن لم تكن محظوظ ستواجه المصير وحدك، بين الأشلاء والدماء والمطالب.
الظاهرُ بحلةٍ جديدة، لكن ماذا عن الباطن؟
لا زالتُ امارس طقوسي السورية، لم ولن انسلخ منها، ولكن هناك طقوس دخيلة ترافقني شئت أم أبيت.
قهوتي مع “هال زيادة”، فيروز وثرثرة العائلة والصديقات-الكترونيا-عن بُعد. وما إن نغرقُ في الاحداث غير المهمة تباغتني طائرةٌ سلمية، طائرة ركابٍ مسافرين لقضاء العطلة مع أحبائهم، تدمرُ صباحي كل يوم، وترعبني. حاضري الأن ملون وجميل ولكن ماذا عن باطني؟ يرعبني صوتُ طائرة، يهددني زي عناصرِ الأمن رغم لطفهم، يأبى الخوف مغادرتي وارفضُ الاستسلام.
أظن أننا كسورين، كمغتربين، كلاجئين، كهاربين، محاصرين بالمشاعر والذكريات والروائح.
أضعفتنا هويتنا وأنهكتنا، قلقون باستمرار ونفكر بالأحبة والابرياء في ظل الطغات والفاسدين.
لا نمضغُ قطعة شوكولا دون الشعور بالذنب، فكيف نستمع ونحن أجزاء؟ كيف نجمع أجزاءنا، من يعيد شملنا ويخمدُ جراحنا، من سيكمل الأحجية؟
What do you think?