يعتبرُ خرق العادات والتقاليد من التابوهات في كثير من المجتمعات ومنها المجتمع السوري على اختلاف بيئاته ومعتقداته، وحين تكون هذه العادات والأعراف جائرة وجامد أمام المتغيرات السريعة معرفياً وثقافياً فإنها-أي العادات- تصبح خطراً على جميع مكونات المجتمع، وعقبةً في طريق تطوره وارتقائه.
ولا يخفى على مراقب/ة منصف/ة أو باحث/ة موضوعي/ة أنّ استضعاف النساء كنهجٍ عالمي واجتماعي محكوم بالهيمنة الأبوية يضع المرأة في خانة العنصر الأضعف في الحلقة الاجتماعية، ويزداد الأمر في بلدان العالم الثالث (العالم الجنوبي) ومن بينها سوريا.
ضمن هيمنة هذه المفاهيم، يصبح مفهوما (العِرض) و(العيب) متحكمان رئيسيان بمصير المرأة، ولا يوجد أي محددات ثابتة أو مقوننة لهذين المصطلحين، ما يجعل هوامش المعيار والتقييم تابعة لهوى ومزاج الذكر المسيطر، دون إنكار تأثير البيئة الثقافية والمعرفية والآيديولوجية في مثل هذه الحالات.
إنّ خوف الأخ على أخته والأب على ابنته والزوج على زوجته؛ شعور مبرر وراقي وواجب في كل المجتمعات، إن كانت مبنيةً على المساواة والشعور بالشراكة والعدالة، وبهذا تحرص الأخت بدورها على سلامة أخيها والأمُّ كذلك تضع أبناءها في سُلّم أولوياتها بغضّ النظر عن نوعهم الاجتماعي، ودون تعميم.
لكن هذا الخوف أو الحرص يصبح مرفوضا وخطراً عند انتقاله من عتبة التعاطف والتعاون المتبادل إلى درك الولاية والوصاية، بل وشعور الملكيّة في كثير من المجتمعات، ومنها المجتمعات الصغيرة وخصوصاً في البيئات الأكثر تشدّداً والأقلّ وعياً.
وإذا أردنا الانتقال من تشخيص العلة إلى توصيف العلاج من وجهة نظري، فعلينا أن ندرك وجوب الانتقال المتدرّج القائم على زيادة وعي الجميع دون إقصاء أي طرف من أطراف السلسلة الأسرية.
وقد ينظر إلى العادات والتقاليد على أنها تصوّرات ومعايير تناسب وقتها وزمانها، وتناسب الظرف التاريخي الذي وجدت فيه، ولا أعني من كلامي هذا تبريراً وإقراراً بما كان من سلوكيات المجتمعات السالفة، لكن ما أعنيه هنا بألا نكسو ظروفنا الحالية بزيّ فات زمانه وزمان صانعيه.
نهضة البلدان وتطور المجتمعات لا تكون إلا بكسر التابوهات المتخلفة، والتي تتكون في غالبها الأعمّ من موروثات شعبوية دخلت في صناعتها الخرافة والعنصرية وتقديس نوع مجتمعي على حساب امتهان نوع مجتمعي آخر.
لا يمكننا القول بأننا نستطيع كسر أي وصمة دون المرور الحتمي بنفق مواجهة تيارات متطرفة، وقوانين بالية، ومفاهيم قامت على مبادئ نفعية شوفينية خالية من أي ملمح إنساني صرف.
المعركة هي معركة وعي وثقافة تبدأ من الأبوين اللذين يتوجب عليهما انتزاع فكرة الوصاية من نظام التربية الأسري ضمن جدران منازلهم.
وعلى النساء عموما يقع جزء كبير من المسؤولية مقابل كل لحظة تأخير في درب مجتمع صحّي ومعافى يخضع لقوانين عادلة لا تميّز بين مكونات المجتمع على أي أساس عنصريّ إقصائي، بأن يرفعن أصواتهن إن استطعن، ويحاولن خلق هذا التغيير المرجو.
لا يمكن للنساء والفئات الأقل امتلاكاً للامتيازات أو المهمشين والمهمشات من التخلص من الكثير من الأعباء، ومن بينها عبء الوصم الذي يفرضه المجتمع، إلا بالمعرفة سواءً للناجيات والناجين/الضحايا/ المتعرضين والمتعرضات للانتهاك، أم للجهات التي تقوم بهذا العنف وتسوغه، أو التي تتغاضى عنه، أو تقبله. فتسمية المشكلة والإشارة إليها بوضوح وفهمها وتفكيكها، هو أولى خطوات الحل.
What do you think?