بالسنة الثالثة بكلیة الصیدلة بالامتحان النهائي اعتقلني النظام للمرة الأولى بنص موادي وطلعت بثلاث أیام ورحت بعد ما طلعت فوراً كملت باقي المواد وأنا خایفة ومرعوبة من كل حركة بالجامعة وناطرة یفتحوا المدرج ویأخذوني مرة ثانیة، ومرعوبة من كل حاجز لأنه كنت بمر یومیاً عالجامعة بأكثر من عشر حواجز، مشي الحال وما صار شي وانتقلت للسنة الرابعة. بنفس الوقت تماماً من السنة الرابعة بالامتحان النهائي دخلوا ع بیتنا بسیارات كلها أمن كأنه جایین یاخدوا شي مجرم وأخذوني من بین أهلي، بأول یوم فكرت فعلاً أنه ممكن یصیر مثل السنة الماضیة وأرجع أطلع لعند أهلي ولحق امتحاناتي، لكن هالشي ما صار وبدأوا بعدها بتعذیب ما كنت بأكثر كوابیسي سواداً بوصل لمستواه، كانوا مع كل مرة بالكهرباء والكرسي الألماني بیذكروني أنه رح یرموني برا میتة وإني إرهابیة وما بستحق الجامعة یلي درسني فيها بشار الأسد بفضله وبكرمه، وكان كل محقق یتفنن بالمكان یلي بدو یبعتني عليه، عالموت ولا عالزنزانة یلي تحت یلي ما عرفت شو فيها بس یلي بیدخلها ما یطلع، وبفرع فلسطین كانت التهدیدات فصل من الجامعة، وفي سجان حكالي بس تطلعي من هون روحي ع شي دولة من الدول یلي داعمتكم تدرسك، أو روحي ع قطر
“كانت قطر علكة ع لسانهم هداك الوقت” .
لما طلعت بعد عشر شهور، بعد ما وصل ألف خبر لأهلي أني میتة وأخبار نادرة من البنات یلي كانوا یطلعوا إني عایشة ، كانوا مو مصدقین وفایتین بحالة من الهلع وبدهم یطلعوني من سوریا بأي طریقة. بعدها بكم یوم رحت ع الهجرة والجوازات لجدد جواز سفري، وبلمح البصر حجزوا الجواز وخبروني أنه علي منع سفر، وأنه لازم راجع الأمن السیاسي، ورجعت وقتها ع البیت لأنه كنت طالعة لوحدي، ما كنت قادرة فعلاً أمشي، وما قادرة أستوعب هالخراب والدمار یلي ما عم ینتهي، ولا قادرة استوعب فكرة الرجعة لسجن، أهلي كان قرارهم أطلع فوراً لأنه هنن ما حیتحملوا أي خسارة، ویلي كان عكس قراري لسبب بجهله، وبعد جدال طویل كان أبوي حیمرض
على أثرها فعلیاً، فقت تاني یوم الفجر وخبرتهم أنه رح أطلع وطلعت، هيك بكل هالبساطة القاتلة فعلاً، كانت آخر مرة نلمح فيها وجوه بعض.
من سبع سنین، حسیت باقتلاعي من عیلتي ومن بین أخواتي الصغار یلي كبروا بعاد عني أخوي الصغیر ما بیقدر یتذكرني منیح، وإذا حكي معي بطلب من أهلي ما بیعرف كثیر مین هالبنت، اللي مافيه یشعر فيها، وكثیر مرات لما نحكي أنا وأخواتي الصغار بسوریا یسألوني إیمت حترجعي؟ وما بیكون لا عندي ولا عند أهلي جواب.
وبالنسبة لجامعتي فصلوني منها طبعاً، وما قدرت أحصل منها على شيء، وتحول موضوع الدراسة عندي لهاجس وكل ما صار عندي امتحان بجهز حالي أنه شو ممكن یصیر وأنا ببلد ثاني وقارة ثانیة.
لما فكك هالموضوع بیني وبین حالي، وبشوف أنا شو بدي، لما فكر أنه یمكن ما أقدر شوف بیتنا مرة ثانیة وكون بین أهلي ما بقدر ما كون عاطفیة وبتوتر جداً، ولما فكر أنه لو صار عندي فرصة وكانت بلد بدون الأسد رح أرجع؟ بلاقي طبقات من الرعب والخوف والحزن والذاكرة القاسیة یلي ما فیني أتجاوزها، تراكمات من الأذى تخلي مجرد خیالات اقترابي من هالبلد السجن كارثية.
اليوم وأنا عم أسمع وشوف عالفیس عن مؤتمر عودة اللاجئین لسوریا، سوریا السجن، كنت عم حس بس أني حدا واقف بعید وعم یتفرج ومن الخوف والهلع ما قادر یعبر قدي هالمكان سجن حقیقي.
وما كتبت هالشي للحزن والأسف، بالنسبة إليّ أنا منیحة جدا وتعاملي ومعالجتي لهي الذكریات ممتازة، بس هي فرصة للتذكیر دائماً وأبداً بالتوحش یلي عم یطالبوا بعودة اللاجئین إليه
What do you think?