لا تتوقف مسألة الوصم التي تناقشها حملة المعرفة لكسر الوصمة، عند الناجيات من الاعتقال فحسب، بل تمتد لتطال أقاربهن من النساء على وجه التحديد، فتصبح نساء العائلة بمعظمهن عرضةً للشائعات والتهميش وغيرها من أشكال الوصم الاجتماعي والعنف، ما يضاعف من ثقل عبء الاعتقال على الناجية عينها وشعورها بالمسؤولية والذنب تجاه أسرتها.
وفي مجتمعٍ لا يزال يستند في تقييمه على ما يعتبرونه (سمعة العائلة) ومصطلحات (الشرف) و(العار) وغيرها، فإن اعتقال واحدة من أفراد العائلة، يؤثر على كل القريبات من النساء وبالأخص ممن لم يتزوجن بعد، مما ينعكس على فرصهن المختلفة، وعلاقاتهن الاجتماعية، ما يجعل بعضهن يعانين معاناةً مشابهة للناجية من الاعتقال.
ياسمين ووصم العائلة:
حيث تخشى ياسمين (اسم مستعار) وهي ما تزال في سن السابعة عشر، من نظرات صديقاتها في المدرسة حين يجتمعن مع بعضهن ويتهامسن بصوت منخفض، ويتطلّعن إليها من بعيد بنظرات الحسرة أحيانا والشفقة أحيانا أخرى، حيث غاباً ما يكون الحديث عن عمتها التي كانت معتقلة عند النظام ذات يوم.
وفي هذا السياق تحدثنا ياسمين عن وصم العائلة ونسائها أثناء اعتقال عمتها وبعد خروجها، وتقول: “بدأنا بالتعرض لألسنة الناس وكلامهم المسيء ما أن اعتقلت عمتي، وكثيراً ما تردد على مسامعي من المحيط قول (مين رح يدق بابها ويخطبها_ خدوا البنات من صدور العمات)، والكثير من الكلام الجارح الذي يوحي بأني ولمجرد كوني أنثى ولكونها امرأة مثلي فنحن سبب في العار والفضيحة، وعلى الوصمة أن تلحق بنا”.
هالة عمّة ياسمين… سجن جديد وحرب نفسية
وفي الحديث مع عمة ياسمين، هالة (اسم مستعار) حول اعتقالها وظروفها، تقول: “تم اعتقالي عند أحد حواجز النظام، وذلك أثناء ذهابي إلى الجامعة، لأتنقل بين عددٍ من الأفرع الأمنية، كان آخرها فرع الأمن السياسي في المزة في دمشق”، وتكمل :”تعرضت أثناء اعتقالي لأشكالٍ مختلفة من العنف الجسدي والنفسي، إلا أني كنت أسيطر على نفسي على أمل أن أخرج من الزنزانة يوماً، لكن ما لم أتوقعه هو أنا أكون في مواجهة سجنٍ جديد، قضبانه العادات والتقاليد، وقيوده من ألسنة الناس”، وعن حالتها بعد الاعتقال تضيف هالة: “تم إلقاء اللوم عليّ وتحميلي ذنب اعتقالي بذريعة أني ذهبت بنفسي لمناطق النظام ولم أكن مجبرةً على ذلك برأيهم/ن، وبأنني تسببت بضياع مستقبل أخواتي البنات، وبنات أخي وفرصهن في الزواج، حيث صار الكثيرون/ات يصفن/ون ما حصل معي على أنه (عار)، ما أثر على حالتي النفسية بشكلٍ كبير، وجعلني أعيش وضعاً أصعب مما كنت عليه في السجن” على حدِّ تعبيرها.
التمييز الاجتماعي ضد الناجيات:
في هذا الصدد، التقينا بـ حميدة أسعد، وهي أخصائية في الدعم والإرشاد النفسي، لمناقشة أوضاع الناجيات من الاعتقال، وتقول أسعد: “إن معظم المعتقلات يخشين الخروج من السجن وخاصة المتزوجات، لأنهن على دراية بعادات المجتمع وبأن أزواجهن سيطلقونهن ويحرمونهن من الأطفال إن وجدوا، فمجتمعنا لا يرحم الناجيات ويلقي بمسؤولية ما حدث عليهن، فأي امرأة تقريباً تخرج اليوم من المعتقل ينتظرها سجن أوسع، على خلاف ما يحدث مع المعتقلين الذكور، حيث نرى بشكلٍ معلن فرح الناس بهم وإطلاقهم الرصاص احتفالاً، فالتمييز الاجتماعي من أحد أسباب الأثار السلبية على المعتقلة”.
وأشارت أسعد إلى أن الوصمة الاجتماعية التي تلحق بالناجيات من العنف القائم على النوع الاجتماعي ومن الاعتقال تعد من أكبر التحديات التي تهدد سلامتهن العقلية والنفسية، فتسبب لهن الصدمات وصعوبة التعافي وإعادة بناء أنفسهن مجددا، ومن الضروري مراعاة حالتهن النفسية وإفصاحهن عما يحدث لهن وطلب المساعدة والدعم من المختصين ومراكز الدعم النفسي.
الجدير ذكره، لا توجد في الأفق احتمالات واضحة لوقف الانتهاكات التي يرتكبها نظام الأسد بحق المعتقلين، ولا يزال مستمرا في إذلال واعتقال وتعذيب وقتل آلاف الشبان والشابات في السجون، في حين كشفت تقارير واحصائيات حديثة للشبكة السورية لحقوق الإنسان، مقتل مالا يقل عن ١١٩٢٣ سيدة على أيدي قوات النظام السوري.
What do you think?