اللوحة للفنانة عتاب حريب
الكاتبة: منى بكور
رغم كلّ الأصوات التي أسمعتنا إياها مرارة الغربة في كلماتها المنكسرة وتنهداتها العميقة، لم نصدق.
لم نرغب نحنُ التائهون أن نقول لهم “نعم هذا صحيح.”
كل العيون الغارقة خلف الشاشات كانت قد أخبرتنا، قصّت لنا فظاعة المضي كشبحٍ في فضاءٍ لا يتسعنا، ولن يسمح لنا بالاتساع يوماً ما. وبالرغم من ذلك لم ننصت، أغلقنا عيوننا بإحكام وتابعنا لهفتنا عبر الكلمات الرقمية والأزرار.
نحن اليوم نتجرعُ مرارة الاتساع، نقتحمُ ثقافاتٍ ولغاتٍ مرغمين. ورغم جرأتنا لا نقوى على التواصل، تصطك الأفواه فجأةً ونجدُ أنفسنا دوماً بحاجة للتبرير.
كيف نبررُ عمراً كاملاً وشقاءاً لا ينتهي؟
كيف نشرح للجهة الأخرى من العالم أننا ضحية كرسيٍ لا يهترئ رغم اهترائنا؟
الأمرُ الآن سيان، العيون مرهقةٌ خلف الشاشاتِ الصغيرة، القلوب تفصلها آلافُ الأمتار، والألسن مبكومة لا تنطق، أضاعت التعابير بين ثقافاتٍ عديدة.
وإذا أردنا أن نعانق إرثنا، مصطلحاتنا وكياننا، نركضُ خلف الإشارات المبهمة إلى مطعمٍ أو مقهى، لنرى وجهاً نألفه وطعماً نستذكر من خلاله هويتنا، ورائحةً تشتاق إليها أرواحنا المرهقة، بين شتاتٍ وشملٍ لا يجتمعان أبداً، وبين ضحكة ودمعة لا تنفصلان أبداً.
تجرّنا ظروفنا كل يومٍ في دوائرنا المحكمةِ المختلفة، كلُ واحدٍ منّا مُحتجزٌ في دائرته، وتكبرُ الدوائر كل ثانية ولكنها لا تلتقي. ندور فيها حتى ننتهي، ونعيد الجولة في اليوم التالي مع ندبةٍ كبيرة لا تزول.
من كلٍ جهةٍ تصيبنا الركلات، تصفعنا الاتهاماتُ ولا نستطيع الدفاع، فلا سقفاً يحمينا ولا أرضاً تحملنا وكل ما نقشعهُ هو المسافات.
لا يميزون بيننا مهما اتضح عجزنا، ومهما اتضحت نوايانا، ينتهكون حاضرنا ومستقبلنا بلا تردد، ويزرعون في طريقنا شتى الابتلاءات.
متى تظهر خاتمةُ قصتنا، من سيكتبُ نهاية ملايين الحكايات،
نحتاج نقطة النهاية،
لقد أنهكتنا الفواصل.
What do you think?