تفضل أغلبية الناجيات من ضحايا العنف الرقمي الصمت مخافة إلقاء الذنب عليهن ولومهن من قبل المجتمع، رغم أنه واحد من أخطر أشكال العنف التي قد تؤدي بالضحية لمحاولة الانتحار في بعض الأحيان، إلا أنه لا يلاقي الكثير من التوعية، أو حتى المساندة بالشكل الكافي، وتزداد احتمالات تعرض النساء (الموصومات) اجتماعياً للعنف الرقمي أكثر من نظيراتهن، حيث يتم استغلال ضعف أحوال بعضهن وقلة وصولهن للمساعدة أو ترددهن في الحصول عليها، إلى جانب أشكال الابتزاز التي قد يعتمدها النظام أو غيره من الجهات التي قامت باعتقال النساء، وذلك لسهولة وصول هذه الجهات إلى الصور الشخصية ومتعلقات النساء المعتقلات، وإمكانية استخدامها ضمن سياق الابتزاز الإلكتروني.
في هذا السياق تخبرنا فرح (اسم مستعار- 25 عاماً) وهي معتقلة سابقة عند النظام السوري، عن تجربتها مع الابتزاز الإلكتروني وما خلفه من أثار سلبية على وضعها النفسي لتوضع إلى جانب أشكال العنف التي لحقتها أثناء الاعتقال، وتبدأ بحديثها عن ظرف الاعتقال وتقول: “تم توقيف الحافلة التي كنت متواجدةً فيها أثناء ذهابي إلى الجامعة في حلب، فطلب مني عناصر الحاجز هويتي الشخصية، وتم إنزالي من الحافلة، وفي لحظة سريعة قمت بخطف حقيبتي وإعطائها للسائق، دون أن أنتبه إلى أن هاتفي الجوال ما زال بحوزتي”.
تكمل فرح حديثها وتقول: “بقيت معتقلةً لدى النظام قرابة العام، وخرجت بأعجوبة، وبعد فترة وجيزة قام أحد ما بابتزازي وتهديدي بنشر صوري التي كانت حقا متواجدة في جوالي قبل الاعتقال مقابل المال، لم يكن بوسعي إخبار أهلي أو حتى صديقاتي لأنني خفت حينها من نظرة أقاربي والمحيطين بي لأنني أعرف أن غالبية العائلات في مجتمعنا تعاقب بناتهن بدلا من الوقوف إلى جانبهن للوصول لحل يخلصها من المأزق الذي تقع فيه”.
الجدير بالذكر أن نظام الأسد يتعمد المضايقة عبر الأنترنت كوسيلة أخرى لترهيب السيدات وتخويفهن بالإضافة لأشكال العف الجسدي و/أو الجنسي الممارس بحقهن داخل السجون، إلى جانب معرفته بأن النساء سيترددن بطلب المساعدة، وسيشعرن بالخوف والتضييق، لئلا تعلم العائلة بهذا الابتزاز، ما قد ينقلب عليهن بشكلٍ أشد وأصعب في الكثير من الأحيان، وهو نمط من الأنماط السائدة باستغلال وضع النساء في المجتمع والعائلة، وإدراك النظام أو أية جهة تقوم بالابتزاز بحالة لوم الضحايا (النساء تحديداً).
وفي شهادةٍ أخرى تتحدث نهى (اسم مستعار- 27 سنة) عن اضطرارها لترك عملها ودخولها في حالةٍ من العزلة والخوف على حد تعبيرها، وذلك بعد اختراق خصوصيتها ونشر صورها على موقع اليوتيوب من قبل أحد زملائها في الموقع الإعلامي الذي تعمل فيه، وتقول نهى: “عملت بأحد المواقع الإعلامية فعرض عليّ أحد الأشخاص المساعدة وتنزيل برامج على جهازي المحمول لأتمكن من الدخول للمنصة فوافقت دون أن أدرك مدى خطورة ما فعلت، وطلب مني أيضا بريدي الالكتروني مستغلا جهلي بالأمور التقنية، وبعد فترة وجيزة طلب مني القيام بعلاقة جنسية معه والذهاب لمنزله، وعندما رفضت قام بنشر صوري مقابل ٥٠٠ دولار أمريكي”!
بدوره أكد يحيى صبيح مختص بالأمن الرقمي لفريق سلامتك بقوله: “إنّ معظم السيدات التي تتراوح أعمارهن بين ١٨ – ٢٥معرضات لهجوم إلكتروني يتمثل في الاختراق والابتزاز بهدف الجنس أو المال، حيث تصلنا حالات عديدة لنساء تعرضن لعنف عبر الأنترنت، ونحن بدورنا نقوم بتقديم المساعدة التقنية والاستجابة الفورية لحل المشكلة، ونقدم تدريبات تؤهلهن لكيفية التعامل أثناء التعرض لمثل تلك الجرائم” ويضيف صبح: “قد يضطرنا الأمر بعض الأحيان للتواصل مع أهل الناجية وإعلامهم بطريقة غير مباشرة عن المواقف التي تتعرض للفتيات عبر الأنترنت، لأنه يمكن أن يتم الاختراق من خلال القرصنة أو رابط ولا ذنب للضحية، على عكس ما يظن المجتمع الذي يعتبر أن السيدات هنّ أساس المشكلة، وأنصح الفتيات في حالات الابتزاز التحدث عن المشكلة وعدم الصمت للتمكن من إيجاد الحلول المناسبة لها، ولكي لا يقع فيها غيرهن”.
في النهاية يعتبر العنف الالكتروني، شكلاً رائجاً من أشكال العنف المعاصر، وامتداداً لعملية الوصم، وهو حالة متفشية بكثرة، وما زالت تتصاعد، حيث تتعرض الكثير من السيدات، وبالأخص الناجيات من أشكال العنف القائم على النوع الاجتماعي للابتزاز والعنف الإلكتروني، سواءً من أشخاص مباشرين كانوا على صلةٍ بالانتهاك الذي تعرضت له، أم من أشخاص عشوائيين، لكن القليل منهن يتجرأن على البوح، ومشاركة مشاكلهن للتوصل لعلاج جذري لها، والسبب الوحيد الذي يمنعهن من التحدث ويزيد من معاناتهن خوفهن من لوم المجتمع ووصمهن واعتبارهن المذنبات بحسب الأعراف الاجتماعية.
What do you think?