اللوحة للفنانة عتاب حريب
الكاتبة: منى بكور
العيشُ في منطقة نزاعٍ أو حرب لأيامٍ وأعوام جردتنا الكثير، وأكسبتنا الكثير أيضاً!
قدِمتُ إلى قارةٍ بعيدة كل البعد المادي والمعنوي عن تلك البقعة، وها أنا، لازلت أحمل النار المندلعة في داخلي، تأبى الخمود، توقد من كل خبرٍ وانتحابٍ ومسرحية.
كيف أخفيتُ كل هذه البشاعة في قلبي وعبرتُ بوابة المطار؟ كيف لا يرون الرماد بداخلي أو يلاحظون تعابير وجهي؟ أي جحيم يسكنني وفي أي محرقة كنتُ أحاول الاستمرار؟
مع كل يوم في تلك البيئة الجديدة تكثر الوحوش في داخلنا وتنمو. نصطحبُ وحوشنا معنا في كل نزهة وموعد، وتنام برفقتنا على الوسائد والأسرّة الفارهة الجديدة.
الخوف والقلق والشك، الانعزال والكوابيس والأفكار، ولكن الذكريات هي دائماً وحشنا الأكبر.
مع كل ترحالٍ وبيئة وتفاصيل نبرعُ في التمثيل أكثر، لا مثيل لنا في تصنّع الرضا والسكون، وإذا لمحنا تفصيلاً ما، عاد بنا ملايين الخطوات ومئات الساعات، إلى نقطة البداية، إلى هناك حين كان ينتهي كل شيء بانطلاق رصاصة.
أصبحت أتنزه برفقة وحوشي في الأرجاء عندما نرى شمساً تشبه الشمس القديمة، لا أحد يلاحظنا هنا، ولا أحد يلتفت لنا، ولكننا نلاحظ الجميع، على مقعد خشبي ذو تاريخ طويل في حديقة عريقة قرب منزلِ الدوق.
وأتساءل كيف تكون الأشياء ذات تاريخ وأهمية ووطن على خلاف البشر؟
وفي خضم كل الأفكار السوداوية يقاطع تساؤلاتي حادثٌ أنيق لدراجاتٍ هوائية، وأقول لوحشي اهدأ نحن في لوكسمبورغ، هذه ليست سوريا!
فهمتُ بعد كل شيء أن الشفاء لا يتحققُ بتغيير البيئة والأشخاص، فهو ليس بلغة نختبئ خلفها أو بجنسية ندفن وراءها انتمائنا. الشفاء يكمن بإخماد دواخلنا الملتهبة، يكمن بخياطة الجرح وإيقاف النزيف. الشفاء بحاجة انتصار، نحنُ بحاجة لإعلامنا بأننا كنا على حق، بأننا دوماً كنا محقين.
نحنُ نحتاج أن يُعيدوا لنا كل شيء، الأطفالُ والحارة والمنزل، نريد الغناء بلهجاتنا ولغاتنا الجميلة بأعلى صوت، مع كل من فقدناه، نريدهم جميعاً أن يعودوا، كما كانوا سابقاً، كما كنا سابقاً.
نريد أن تودعنا الوحوش، كما ودعنا كل شيء، نريد التعافي.
لقد وصلنا لنهاية المشهد، لقد سئمنا لعب دور الضيف الثقيل. هذا الضيف الذي التجأ إلى منزل غريب خلال عاصفة رعدية ويأبى المطر أن يتوقف، ونخاف الخروج، وترعبنا العودة.
Ahmad Dareish
يوليو 9, 2021كلام رائع و عميق و مرهف
يوجد اخطاء املائية و نحوية