اسمي عفراء هاشم “أم مضر” من حلب
ببداية الحملة الأخيرة الشّرسة على حلب قبل التّهجير. اُستهدِفِتْ المشافي، مراكز الدّفاع المدني، المجلس المحلّي، ومخازن القمح والطّحين فكانت المناطق عم تنهار بسرعة، حتّى الأراضي يلي كانت عم تنزرع جديد سقطت بإيد النّظام. وصار في حالة هلع كبيرة بين النّاس، وشبح التّهجير صار واضح. لذلك بعض الأشخاص يلّي كانوا عم يدوروا على فرصة نجاة أخيرة. نزحوا على مناطق النّظام، وخلال نزوحهم استهدفهم عن طريق القصف المباشر، أو الاعتقال، وباقي المحاصرين قرّروا يضلّوا.
أنا وزوجي وأطفالي قررنا نبقى من إيماننا بالشّيء يلي عم نعملوا. كنّا بنعرف انّو النّاس يلي عم تروح لمناطق النّظام بهدف النّجاة مصيرهم الموت، وبنفس الوقت ما فينا نلومهم، وهنن كان عندهم هدا الخير، أمّا نحن ما عنّا خيار إلّا نبقى.
بأوقات كنت رح هرّب أولادي مع شي حدا، أو خبّيهم بمكان بعيد عنّي مشان إذا سقطت منطقتي بإيد النّظام ما يقتلوهم معي، أو يقتلوهم قدام عيني.
خلال فترة الحصار ما كان في أكل يكْفي النّاس الموجودين، وحصار حلب كان فُجائي. بعد ما كانت من سنة محاصرة نارياًّ، ويضطروا النّاس يعرضوا أرواحهم للخطر ليطلعوا برا المنطقة مشي أو بسيّاراتهم لتأمين الأكل ويرجعوا.
بذكر مرّة عرّضنا حالنا للخطر لنقطع طريق الكاستلو لنروح على “دركوش” حتى أولادنا يشوفوا منطقة خضرا، فيها شجر ونبعة مي. لأن هاد الشّي مو موجود بحلب.
كان غيرنا يشوفنا متهورين، بس نحن كنّا بحاجة لهيك مشوار لو عم نعرض حالنا للخطر حتّى نحس انّو لساتنا بشر. كان صرلنا من( 2012 ل 2015 ) عنّا خوف من سقوط حلب بأي لحظة، فكان الحصار صفعة النا.
كان عندنا أمل ينفك الحصار، وفعلاً بعد بشهر فتح الطريق لمدة أسبوع ما دخل فيه أي قافلة غذائية، ورجع أُحْكِم الحصار من جديد. وقتها النّاس أُنْهِكوا كتير وصاروا يهجموا على المخازن والمستودعات التّابعة لمجالس الأحياء، أو التّابعة لمنظمات إغاثيّة، وعمّتْ حالة شغب وسرقات للمواد الغذائية. ما كنّا قادرين نلوم حدا، لأن ما كنّا جاهزين للحصار، لذلك ما مخزنين أي شيء.
ما كان عندي ولا كيلو رز ببيتي، وهدا قمّة المأساة، وكمان ما كان فيه أراضي زراعيّة نستفاد منها، وببداية الصّدمة ما كنّا قادرين نفكر بحلول سريعة.
بهدا الوقت النّاس أكلت بعضها من الجوع. بعدها صرنا نخترع أكلات لنقدر نشبّع أولادنا. الحصار كان مُحكَم تماماً ما في أي نفق أو منفذ يدخل منه الأكل. خبزنا بالطّحين البقيان عنّا.
بذكر إنّي أكلت خبز كان عبارة عن فاصوليا بيضا مطحونة مع رز وبرغل، وكان أسوأ أنواع الخبز يلي دقتها بحياتي. كنت غص بكل لقمة عم آكلها، مع ذلك نقول انّو في ناس بحاجة هدا الخبز أكتر مننا، وما نقدر نزاود بالسعر لنحصل على هدا الرغيف قبل غيرنا لأنّو هيك بنكون عم نحتكر، ونسبّب جوع أكبر للنّاس خصوصاً يلي مو قادرين يدفعوا أبداً.
أكلنا كان معكرونة، أو برغل، أو فاصوليا بيضا يابسة طوال فترة الحصار .مع ذلك ما همنا الجوع قد ما همنا الخطر اللي عم يزداد بالمدينة، ويقترب أكتر وأكتر.
شبح السّقوط عم يتّضح يوم بعد يوم .كان ألمنا انّو نتحاصر، ونفنى بشكل كامل. انو نُعتَقَل، أو نُدبح متل ما صار بمجزرة الحولة. كان خوفنا أكبر بكتير من تفكيرنا بالجوع.
أنا كنت مديرة لسلسلة مدارس. بالإضافة للعمل بالدّعم النّفسي لذلك بفترة الحصار. ننزل على الملاجئ. نحاول التّخفيف من معاناة الأطفال، والناس. نقدّم إسعاف نفسي أولي، ونحاول نساعد بالمطابخ الخيرية، ونطبخ للناس يلي بالملاجئ تطوّعاً.
كنا نُعْتَبر رموز بحلب، ووجودنا الحماسي المتفائل حول النّاس أعطاهم الأمل والدّافع للصّمود. كان وجودنا جدّاً مهم. أنا وكتير من النساء يلي تركوا بصمة كبيرة بفترة الحصار.
ما بقدر اختصر الألم، والخوف، والرعب، والقهر يلي عشناه بفترة القصف الأخيرة يلي استمرّت أكتر من شهر، وتم فيها خرق الهدنة بعد ما اتّفق عليها.
وقت امتنعوا عن خروج الكل بعد خروج أوّل قافلة، ورجعوا حاصرونا من جديد. اعتصمنا بمشفى بعد قصف عنيف وشديد. رفضنا نطلع من آخر نقطة طبيّة قبل خروج الجرحى، وخرجنا بآخر دفعة مع المهجرين.
المسافة من مدينة حلب لريف حلب بالحالة الطّبيعية بتستغرق ربع ساعة .بس نتيجة الازدحام الشّديد. استغرقت رحلة التّهجير 14 ساعة. كانت لحظات قاسية فيها رعب شديد. خفنا تكون أسماءنا عند النظام، فنُعتَقَل.
وصلنا لحاجز روسي. وقف الباص. فتّشونا. بعدها سمحولنا نمرق ،وهون كانت أصعب لحظة.
الغريب احتل أرضنا، وذكرياتنا، وتاريخنا، وحضارتنا، ونحن صرنا الغرباء فيها. بينما أصوات الاحتفالات بمناطق النظام بالنصر المزعوم شغّالة.
الدنيا ليل وعتمة ومو شايفين غير فلاشات الكاميرات باتجاهنا، و كأنهم كانوا عم يعملونا عبرة لكل مين بدّو يصرخ، وينادي “حريّة” هيك مصيره: الحصار، التّجويع، القصف، القتل، وبعدين التّهجير.
سبب خروجي من حلب كان قرار مو بإيدي. أكيد ما كان فينا حدا بيتمنى يطلع. كان قرار دولي.
قاومنا، وحاولنا طوال سنين. كنّا مبسوطين وصامدين رغم كل شيء. بالأخير نحن بمكان مُحرّر. قاعدين بحارتنا وبيوتنا، ولو كانت عم تتعرّض للقصف دائماً. وكان في هوا. هوا بنعرفه ومألوف النا.
لمّا عرفنا بقرار التّهجير مشاعرنا اختلطت. ما نعرف نفرح، أو نخاف من الاعتقال أنا وأولادي، أونحزن على فراق تاريخنا، وأرضنا، وأحلامنا.
لما وصلنا على إدلب. كان الجو كتير غريب علينا. بالرغم من قرب المسافة بيناتنا، ولكن ما كان فيها شيء بيشبه حلب، وأهل إدلب حسّوا انّو نحن غرباء عنهم. كان شعور الاغتراب والتّخبط وفراق أحبّة، وأصدقاء تفرّقوا كل حدا بمكان هو الشّعور الغالب.
أكيد بنتمنى نرجع لحتى يلتم شملنا كلياتنا مؤلم جدا الي وصلنالو … كل حدا صار ببلد منهم هاجروا على أوروبا ومنهن بتركيا وأنا منهم ومنهم مفرقين بين ريف حلب الشمالي وادلب تشردنا بنتمنى ترجع حلب المحررة وكل المدن يلي تعرض أبنائها للتهجير القسري
What do you think?