ناقص 18 

ناقص 18

تجلس في زاوية الغرفة خلف النساء، وكأنها تختبئ أو تحاول أن تكون غير مرئية، لا تشارك في الحديث ولا تعطي أي ردة فعل عما يدور حولها، وربما أنها تحاول أن تكتم أنفاسها، هكذا تشعر بالأمان!

هاجر من ريف حماة، عمرها 24 عاماً، عندما قابلتها للمرة الأولى كانت في الـ15 مطلقة للمرة الثانية. هل صدمتكم؟! نعم وكانت والدتها تحاول أن تبحث لها عن عريس جديد.

زوجها الأول ابن عمها طلقها بسبب خلاف عائلي، أما زوجها الثاني فهو رجل يكبرها ب 25 عاماً حتى يتمكن والدها من “مجاكرة ابن عمها وأهله” وفي الزيجتين، لم يكن لها حول ولا قوة.

لا يمكن أن تكون تجربة الطلاق سهلة على طفلة بهذا العمر، فهي تجربة قاسية على النساء الأكبر سناً وكثيرات منهن يعشن بقية حياتهن على ذكريات مؤلمة نتيجة الطلاق وما بعده، لاسيما في مجتمعاتنا.

إرادة مسلوبة! 

في هذا المقال لن تسمعوا هاجر تتحدث لكم/ن كثيراً، لأنها لا تملك خيار الحديث عن حياتها ومشاكلها، ولكن أستطيع أن أخبركم/ن بعض الأشياء التي قالتها أمها عن طلاقها. 

“كان يضربها دائماً وعادي كل الزلم يقتلوا نسوانهن بس الله يصلحه كان عالطالعة والنازلة يطلقها ونحن مشان الحلال والحرام فكيناها منه” 

عندما كنت أسمع حديث أم هاجر، كنت أشعر بالنيران تشتعل داخلي، كانت تخبرني عن الضرب والإهانة والحلال والحرام وكأنها تحاول تجاهل معاناة طفلتها لأنها لا تملك حول ولاقوة، أو ربما لأننا في مجتمعات اعتادت التطبيع مع العنف الموجه للنساء، وكأنه حدث يومي اعتيادي: “إيه كل النسوان بتاكل قتل شو عليه”، هذه الجملة شائعة جداً ونسمعها معظمنا في الحياة اليومية حتى في المسلسلات والأفلام العربية. 

مجتمع ما بيرحم!

عادة ما ينعت المجتمع المرأة المطلقة بكثير من الصفات السلبية، المتمردة، الأنانية، غير الحكيمة، المُخطئة، الكثير من الأحكام المسبقة بأنها هي السبب وراء طلاقها.

صديقتي التي عاشت تجربة طلاق مريرة، تقول: “أن المجتمع الذي نعيشه لا يرحمنا يجعلنا مجبرات على تبرير أسباب طلاقنا، في كل جلسة أحضر في عقلي (كليشيه) لماذا أنا مطلقة، حتى لا أقع تحت سطوة أحكامهم/ن وأسبابهم/ن”.

تكمل: “الأحكام أهون شيء بنعيشه كنساء، نحن لما نكون مطلقات متهمات بأننا خرابات بيوت وبدنا كل النساء تتطلق مثلنا، ومو بس هيك كمان نحن بنسرق الرجال من زوجاتهم بتشوفي في نساء نقابلهن يخافوا يعملونا صديقاتهن لأنو في عندها أم أو أخت أو جارة فهمتها إنو تدير بالها من المطلقة!.

شيماء امرأة بالـ40 من عمرها، متعلمة مثقفة عاشت تجربة الطلاق بالثلاثينات أي أنها كانت ناضجة كفاية كي تحمي نفسها من المجتمع ونظراته.

ولكن السؤال هنا هل تستطيع الطفلة التي لم يتجاوز عمرها 15 عاماً، أن تخبركم عن معاناتها كمطلقة في هذا المجتمع؟

تجربة قاسية

الاختصاصية النفسية ليلاس تقي الحسيني، ترى أن الطلاق من أصعب التجارب التي  من الممكن أن تمر على حياة المرأة عموماً فما بالكم/ن بطفلة لم تكتمل دائرة طفولتها وغير قادرة على تكوين علاقة زوجية، وإضافة إلى أن البعض منهن يخرجن من هذا الزواج بحمل.

وتلفت ليلاس، إلى أنه في الكثير من هذا الزيجات والطلاقات لا يتحمل الرجل مسؤولية الأطفال ويتركها على عاتق الطفلة لتربي طفل/ة وتتحمل مسؤوليته/ها، وتجد الطفلة نفسها موصومة بوصمة المطلقة وتحاول عائلتها ومحيطها إقناعها بأن فرصها بالزواج مرة ثانية وتكوين عائلة جديدة أصبحت أصعب وأقل احتمالية، أو إجبارها على الزواج مرة ثانية ظنً منهم/ن أنه الحل لمشكلة طلاقها.

إضافة إلى حرمانها من التعليم والحياة الاجتماعية، وبالتالي تقع الطفلة في مشاكل نفسية تجعلها تقارن بين حياتها وسط القيود الاجتماعية والثقافية والقمع الذي تمارسه بعض العائلات مع بناتهن المطلقات وفرض السيطرة والتحكم بهن، وحياة قريناتها اللواتي أكملن تعليمهن ويحلمن بحياة ويسعين لتحقيقها.

أمل بعد معاناة مريرة

براءة 25 عاماً، شابة سورية، تدرس إدارة أعمال في إحدى الجامعات في تركيا، أول زواج لها كانت بعمر الـ15 عاماً، زوجها عمها من صديقه الذي يكبرها 27 عاماً، وطلقها بعد أسبوعين وفق الاتفاق بينهما. 

تقول: “بعد ما تزوجته بأسبوعين قرر يطلقني اسمعته عم يحكي مع عمي إنه هي بنت أخوك مثل ما اتفقنا ومصرياتك معك، صار عمي يقله وطي صوتك لا تسمعك”.

فهمت براءة أن عمها زوجها من صديقه باتفاق مؤقت، تضيف: “خبرت مرت عمي بالحديث اللي سمعته بين عمي وزوجي، وسمعتها عم تتخانق معه وتقله رح أفضحك ودمرت البنت وصارت تدعي عليه”. 

وفي عمر الـ17 تزوجت براءة للمرة الثانية، واستمرت زواجها لأكثر من 7 أشهر ولكنها كانت تعاني مع هذا الزوج المعنف، الذي كان يضربها حتى يغمى عليها في بعض الأحيان، إضافة لأنواع أخرى من العنف. 

رغم أن براءة يتيمة الأب وخسرت أمها بسبب ظلم عمها وجبروته، إلا أن زوجة عمها كانت تقف بصفها دائماً وتحميها، ساعدتها على الانفصال عن هذا الزوج، وهربت بها مع طفليها إلى تركيا حيث تعيش الآن.

بدأت براءة حياة جديدة بعد وصولها إلى تركيا، فهي الآن تكمل تعليمها وتعمل بنفس الوقت. 

أثر نفسي

تزويج الطفلات بعمرٍ صغير يضعهن تحت مخاطر متعددة ومن ضمنها التأثيرات السلبية على صحتهن النفسية مثل اضطرارهن لعيش الصراع بين أدوارهن الحالية  في داخلهن كراشدات مزيفات ومن ناحية أخرى الأدوار والمتطلبات الاجتماعية التي تترتب على حياتهن الجديدة بعد الزواج، وما بين الطفلة التي تعيش في نفوسهن مما يجعلهن أكثر خوفاً وقلقاً وأقل قدرة على التعامل مع الضغوطات والمشكلات الحياتية التي يعشنها.

وتوضح الاختصاصية النفسية ليلاس، أن تزويج الطفلات يجعلهن عرضة للصدمات النفسية وخاصة نتيجة إجبارهن على ممارسة العلاقة الجنسية الزوجية مع الشركاء، إضافة  لعبء الحمل والأمومة وهذه الأعباء بالذات تضعهن بالإضافة للمخاطر الجسدية التي تؤثر على صحتهن، تعرضهن لمستوى خطورة من الجانب  البيولوجي النفسي بمرحلة لا تتناسب مع صحتهن النفسية وأجسادهن، وقد تتسبب في تطور ما يعرف باكتئاب ما بعد الولادة، وتجعلهن بعضهن بعد الإنجاب غير قادرات على العناية بأطفالهن ويصبحن أكثر عنفاً وقسوة في بعض الأحيان.

وتحدثت ليلاس عن حالات مماثلة لطفلات أجبرن على الزواج وأنجبن، بدأت بالحزن والعزلة وانتهت بتطوير اضطرابات نفسية أكثر شدة مثل الاكتئاب والقلق والوسواس القهري وغيرها.

تجارب ناجحة لمحاربة تزويج القاصرات

منذ عام 2019، تدعم منظمة النساء الآن من أجل التنمية وبالشراكة مع مؤسسة أهل للتنظيم المجتمعي، حملة “لا تكبرونا بعدنا صغار” في سهل البقاع الأوسط، لبنان. وهي حملة بقيادة صاحبات وأصحاب القضية من المتأثرات والمتأثرين بظاهرة تزويج الأطفال وبغالبية نسائية، وكذلك فتيات ورجال وشبان من المجتمعات السورية واللبنانية والفلسطينية القاطنة في سهل البقاع.

تعتمد الحملة في عملها على منهجيتي التنظيم المجتمعي والقيادة التشاركية، وقد حققت الحملة نجاحات عديدة منذ بدايتها من خلال عدة مراحل واستراتيجيات مختلفة، حيث نظّمت حوالي 100 فرد من أهل القضية. وتم تحريك حوالي 500 فرد من المجتمع المحلي، وخاصة من الفتيات، ليصبحن مناصرات لقضية الحملة. وتعهدت أكثر من 2500 أسرة بعدم تزويج أطفالها، مما أدى إلى إنقاذ حوالي 900 فتاة كنّ مخطوبات وعلى وشك التزويج. 

وتساهم حملات المناصرة لهذه القضية بنشر الوعي حول خطورة تزويج الطفلات، مسلطة الضوء على تأثيرها على الصحة النفسية والجسدية للفتيات، وكما تعمل على دعم التشريعات والسياسات التي تقيد أو تمنع تزويج الطفلات والتغيير المجتمعي، لذلك من المفيد جداً أن تنتشر هذه الحملات وتعمل على نطاق واسع في المنطقة التي تعاني من هذه الظاهرة.

اللوحة الفنية للرسامة سارة خياط

مروة.. سميت ابني أمان لأنني أتمنى أن يتحقق ببلدي!

اسمي مروة السلوم، عمري 30 سنة كنت أدرس في جامعة حلب قسم معلم صف حتى تعرضت الجامعة للقصف عام 2012 عندها أدركت أن الدولة التي لا تؤتمن على أرواح مواطنيها لا تؤتمن على مستقبلهم، فقررت أن أترك الجامعة للالتحاق بالعمل الإنساني في مجال الدعم والمساندة النفسية الاجتماعية في المخيمات على الحدود السورية ثم لأدرس مجددا في جامعة ادلب قسم الإرشاد النفسي 2018 وهو جزء من شغفي أن اكون مع الانسان.

أنا من قرية صغيرة تقع في ريف إدلب الجنوبي تدعى حيش، هجرت من قريتي الصغيرة التي أطلق عليها خلال سنوات الحرب قرية الموت في عام 2012، وانتقلت للعيش على الحدود السورية التركية، عملت كداعمة نفسية اجتماعية في المخيمات الحدودية في منطقة سلقين، أعيش الآن في مدينة إدلب منذ 2019 مع زوجي وأطفالي الثلاثة 

اخر أطفالي اسمه أمان، وهذا كل ما أتطلع إليه الآن للعائلة والوطن ولنفسي.

 

في تاريخ 6 شباط قررت أن أنام الى جانب أطفالي بسبب تعرض أصغرهم لوعكة صحية ، ولكنني عند الساعة ٤:١٧ دقيقة استيقظت كما لو أنني في عالم آخر أبحث عنهم بين الاغطية لأحميهم بجسدي من السقف والجدران التي بدأت تتصدع 

نجونا يومها من الموت ولكننا لم ننجو من الهول والخوف بعد تلك الليلة، وصلني خبر موت صديقة ثم اثنتين ثم عشرات من الأصدقاء والمئات من الجيران والأخوة.

ومئات وآلاف السوريين/ات بين موتى وعالقين/ات تحت الأنقاض، لم أستطع  أن أقف مكتوفة اليدين ولم أجد وقت للحزن سارعت لإخراجهم من تحت الركام مع صديقاتي في مركز مارونا النسائي، أعددنا وجبات الطعام للمسعفين، وحقائب الولادة للنساء اللواتي حان موعد مخاصهن وبكينا بعدها في فناء مارونا سوياً حينما تم الإعلان عن توقف عمليات الإنقاذ.

بدأت بعدها سنة احاول فيها استيعاب ما حصل موت صديقتي وإحدى مؤسسات مركز ومكتبة مارونا نسرين 

التي ظل مكانها فارغا في الأحاديث في العمل وفي الطريق الذي نعتبره نحن النساء للسلام ولكن الموت كان أسرع .

عملت على تدريب فرق من الشابات لتقديم المساعدة النفسية للأسر التي تعاني وجع الفقد مثلي 

زرنا الكثير من الأمهات والكثير من الأطفال والكثير من القبور ومنهم قبر نسرين الباقية ذكراها ابدا، كان أكثر ما ساعدني على تجاوز هذه المحنة أنني مددت يد المساندة والعون من خلال مارونا للناس، ساعدت في توفير مساكن مؤقتة للبعض وحضنت الأطفال وبكيت مع العائلات، كما ساعدتني عيون أطفالي أن اصبح أقوى واستمر.

مازال مجتمعي يعاني من نقص الموارد على كافة الأصعدة من دعم صحي و نقص في الاحتياجات مثل المأوى والمأكل و كذلك الآلام النفسية وتفاقم المشاكل الاجتماعية، بعد حرب استنزفتهم ليكون الزلزال حدث آخر يزيد المأساة.

بحكم عملي في مجال الدعم النفسي الاجتماعي لمست حاجة النساء الشديدة إلى مارونا البيت العائلي الكبير والآمن الذي يجمع كل نساء سوريا من مختلف مناطق التهجير والنزوح ، “مارونا” مستوحاة من كل وجوه النساء السوريات في بلدي ومن اكفهن.

تم تأسيس مارونا في عام 2018 التي بدأت في تنفيذ الأنشطة الثقافية منها مناقشة الكتب وإقامة دورات تدريبية في كتابة المقال والقصة القصيرة والجلسات الشعرية كما تم تنفيذ العديد من الانشطة المجتمعية وانشطة التراث اللامادي، منها نشاط حكايات الانسان، قطبة موت وقطبة حياة، المأكولات التراثية، الاستقبالات النسائية وغيرها.

وأهم  أهداف هذه النشاطات تعزيز دور المرأة كفاعلة في المجتمع وتعزيز التواصل الجيلي بين المشاركات، ومن أنشطة مارونا خلال السنوات الماضية، نشاط جدو الحكواتي التي كانت تقوم به صديقة الأطفال وروح مارونا صديقتنا ” نسرين ” والتي كان آخر نشاط لها في أرض ديار مارونا 28 كانون الثاني، قبل أن يخطفها الموت بكارثة الزلزال بتاريخ 6 شباط.

بعد هذا التاريخ شعرت مارونا وأصدقائها الأطفال باليتم، لأن حكاية نسرين انتهت بالموت! 

ولكننا رغم الحزن قررنا أن نقوم بما كانت نسرين تحب أن تفعله، وهو أو نستمر بعملنا فأنشأنا “مطبخ نسرين” الذي قام بتقديم وجبات الطعام للعاملين/ات في انقاذ العالقين/ات تحت الأنقاض على مدار أسبوع كامل في منطقة سلقين، إضافة للاستجابة الإنسانية لمدة 4 شهور بعد الكارثة، حيث قمنا بتأمين خيام سكنية و سلل غذائية وألبسة واحتياجات نسائية.

وقمنا أيضاً بصنع مسرح عرائس متنقل لتقديم أنشطة المساندة النفسية للأطفال في مراكز الإيواء والمناطق المتضررة.

ولأن نسرين كانت حاضرة بكل لحظة من لحظاتنا، فكرنا بطريقة لتخفيف ألم الفقد على الناجين/ات، لذلك أطلقنا فكرة “بلسم مارونا” وتم دعمها من منظمة النساء الآن ، لتصبح النساء كما البلسم تشفي جروح هذا البلد من كل وجع.

أكثر ما أخشاه الآن أن تفقد النساء قدرتها على العطاء بسبب تهميش دورها في مجتمع يعاني كل أنواع القهر السياسي والعسكري والاقتصادي والاجتماعي، ولكنني أتطلع كل يوم في فناء مارونا وهي مركز مجتمعي غير ربحي وغير مدعوم قامت بتأسيسه مجموعة من الشابات، من خلال وجوه الأمهات وأكف صانعات الحياة من الشابات، أدرك أن الحياة تخلق من جديد بكل حب و إصرار وعزيمة على ولادة أمل جديد، لذلك أفتح بوابة مارونا ومنها أفتح للنساء أفق علنا نصل لسلام.

ديانا.. عم نتعب لنقدر نحقق أحلامنا وطموحاتنا

ديانا.. عم نتعب لنقدر نحقق أحلامنا وطموحاتنا

لما كنت صغيرة كان حلمي أدرس صحافة، بس للأسف الظروف المعيشية الصعبة وكمان أهلي، هي الأسباب وقفت بطريقي وماقدرت حقق حلمي وانقهرت كتير وزعلت وخصوصا إنو كل رفقاتي كفو دراسة وأنا لأ.

بس أنا بطبيعتي مابقدر شوف حالي وأنا مكتفة، لذلك قررت كفي بهواية واللي هي التجميل، وكنت حابة صير خبيرة تجميل، بس أمي عارضت كتير.

كمان انقهرت وبكيت كتير، بس أبي تضامن معي لحتى أقدر كفي حلمي، وبالفعل تعرفت على صالون تجميل وبلشت رحلتي.. ما كانت سهلة أبداً، وكنت أسكت وقام التعب والاستغلال من قبل يلي عم يتعلمو معي، كنت أصغر منهن ونظف ورتب المكان.

كانت رحلتي قاسية، ولكن ما وقفت تعلمت وصرت أكسب مصاري، وأبي كان فخور فيني ومبسوط إني حققت حلمي.

تزوجت بعمر صغير، وما وقفت كان زوجي انسان متفهم وداعم إلي بعد أبي، فتحت مركز خاص كان فقط للعمل، ومع ظروف الحرب والتهجير اللي مرقت على الناس. 

كان في نساء تجي على الصالون وتطلب من المساعدة، تذكرت حالي لما كنت أتعلم لهيك قررت أنا والبنات يلي معي نبلش بدورات للفتيات والنساء يتعلمو بشكل مجاني.

 وبعد فترة بلش الهدف يتحقق ويكبر..

عملنا حملات تدريبية وكان في صبايا مروا بظروف صعبة استفادوا من هي الورشات. منهن كانوا عم يتعرضوا للتعنيف ومنهن تزوجت صغيرة ومنهن اللي انحرمت من ورثتها وكتير قصص.

 بلشت المنظمات تحاول تساعد هدول النساء اللي عم يجوا لعنا وهيك توسع العمل لتعليم مهني ضمن هذا المركز وخارجه.

التحديات اللي كنا نواجهها كثيرة، وأهمها إنه نحن ماكان عنا قدرة نقدم دعم مادي، وكان دعمنا للصبايا مهني، وحاولنا نعرض على  المنظمات يقدموا مساعدة للنساء يلي يشتغلوا و يعيشوا ولادهم.

نحن عم نحاول دائما ندعم ونشجع النساء، وعم ندرب في عدة مجالات حتى نخدم منطقتنا والقرى المجاورة عم نتعب أنا والبنات لحتى نوصل لهدفنا، نحن مستمرين حتى نحقق أحلام وطموحات النساء ونساعدهن ليكونوا دائما بالأمن وسلامة.

No tags

كيان.. قصتنا بدأت بواحدة وانتهت بمجموعة

لما كنت بعمر 18 كنت عم ادرس بكالوريا، وكأي صبية بهاد العمر كان عندي أحلام وطموحات كثيرة عم أسعى حققها،  والبكالوريا هي الخطوة الأولى حتى أبدأ مشواري، وكانت كل الأمور ماشية تمام و كنت كتير مبسوطة ومليانة نشاط هيك حتى قرب وقت تقديم الامتحانات.

 ووقتها كان التقديم بغير منطقة كنت عم حضر حالي لحتى روح مع رفقاتي ونقدم سوى، وقتها بيجي أخي ويخبرني إني ما فيي روح قدم لأني عندي مشكلة بأوراق التسجيل، وأنو لازم ضبطها وهاد الشي بدو وقت لحتى يخلص ورح يروح علي الامتحان.

 حسيت وقتها كانوا صاعقة نزلت على راسي صرت أبكي وأصرخ وقلن “كيف يعني مابصير هلق لحتى عرفتوا ليش ما حكيتو من قبل” والكل عم يهديني ويقلي لا تزعلي سنة الجي بتقدمي وأنا ما عدت استوعب أي شيء كيف يعني رح تروح علي السنة بعد كل هالتعب والعذاب كيف!

 شعور كتير صعب لما تشوف حلمك عم ينسرق منك فجأة وأنو تعبك راح بلا نتيجة، شيء كتير صعب رفقاتي قدموا ونجحوا ودخلوا عالجامعة وأنا كنت عم انتظر على أمل السنة اللي بعدها قدم، فجأة بسمع أنو الطريق تسكر وصار كتير مشاكل بالأخص مع الطلاب يلي عم تنزل على مناطق النظام.

 هون أهلي صاروا ضد فكرة أنو ارجع انزل وقدم ورفضوا رغم أني حاولت معن كتير، أنا بهاد الوقت كنت كتير مدايقة ومزعوجة لأنو رفقاتي قدروا يحققوا أحلامهم، وأنا ماقدرت  دخلت بحالة اكتئاب شديدة وانعزلت عن الكل كنت دائما ابقى وحيدة وما بحب أختلط ولا احكي مع حدا.

كل ما بتذكر اللي صار معي ببكي وبنهار وبتعب كتير ومرقت فترة طويلة وأنا على هي الحالة، بعدين سألت حالي لأيمت رح ابقى هيك لازم ما استسلم واترك الصعوبات تدمرني، صرت أبحث وأسأل ودور وعرفت أنو في معاهد تعليم، وإنه فيني ارجع عيد وقدم البكالوريا.

 

قررت أني إرجع أبدأ المشوار من جديد، وفعلا رحت سجلت وشفت بنات عم تكمل دراستها، في منهن من عمري وفي أكبر مني، وبالرغم إنو بعضهن ظروفهم صعبة كتير وعاشوا تجارب صعبة ورغم هيك  ما استسلموا.

 

وقتها أدركت إنه مافينا نعيش الحياة مع اليأس وإنه الأمل والإيمان هني بيخلونا نكمل رغم كل الظروف، هالشي ساعدني لأطلع من الجو اللي كنت عايشة فيه ورجعت الأمل لحياتي.

 

ورجعت ارسم أحلامي، ودرست وقدرت أنجح وكنت كتير مبسوطة وفرحانة لما كنت عم شوف نتيجتي وأنا  ماسكة التلفون، الكل كانت منتظر هاللحظة! لما شفت نتيجة نجاحي مر ببالي كل اللي صار معي وصرت أبكي.

بس هالمرة كنت عم أبكي من الفرحة، فرحتي بنجاحي، صار الكل يسألني شو النتيجة، وأنا قلهن نجحت نجحت.

أتأكدت وقتها إني بقدر دائما ابدأ من جديد وفيني حقق اللي بحلم فيه إذا سعيت له، وبالفعل سجلت بالجامعة وكنت كتير متحمسة لأني قدرت اتخطى أول عقبة.

 

أول مرة دخلت عالجامعة وقفت  وصرت طلع حولي  وقول بنفسي عنجد أنا قدرت أوصل وحقق اللي كنت بحلم فيه، شعور ما ينوصف وفرحة كبيرة، وهلأ أنا صرت بالسنة الرابعة وكتير فخورة بنفسي، وصار شعاري بالحياة ” لاحياة مع اليأس ولا يأس مع الحياة”.


بعرف إنه في كتير بنات تخلوا عن أحلامهن وطموحاتهن لأسباب كتيرة، بس أنا قررت إني ماوقف أبدأ وإني رح أبقى أمشي ورا حلمي وحقق طموحي، ورح حاول أعمل اللي بقدر عليه لحتى أثر بالبنات حولي.

 

بعد فترة تعرفت على الأنسة أفنان وهي صبية كمان مرقت بظروف بتشبه طروفي وعاشت نفس تجربتي، وكان عندها هدف تحقق تأثير، أسسنا مجموعة سميناها “كيان” بضم بنات عندهم أحلامهن.

واجهنا تحدي كبير وهو إنه مو كلنا بنفس السوية ومتمكنات، وكنا بحاجة لأنه نشتغل ع أنفسنا أكثر لنكون قويات، ولحتى نمتلك وعنا مهارات بمجال العمل و نطور أنفسنا ونكتسب خبرات.

كما كان في تحديات متعلقة بطبيعة حياتنا كنساء بالمجتمع، وكان لكل وحدة فينا ظرفها الخاص فيها، منها مسؤولية البيت والدراسة وكمان كان في صبايا مابيقدروا يطلعو من بيوتهن إلا بأوقات محددة، والانترنت.

 

كنا نعمل اجتماعات فيزيائية وأون لاين حسب الظرف، ونتناقش ونتبادل الخبرات والمعلومات، كنا نبحث بالكتب ونحضر تدريبات ونشوف فيديوهات واستعنا بأشخاص عندهن خبرات وساعدونا وقدمولنا النصائح والارشادات.

 

قسمنا العمل بينا كمجموعة، صبية استلمت التنسيق وصبية تولت أمر تجهيز الصالة وصبية تواصلت مع المستفيدات، و صبية تحضر لإعطاء المنهاج،  كنا نتساعد مع بعض ونستشير بعضنا بكل الخطوات.

 مابنسى التعب الي مرينا فيه والسهر لوقت متأخر والفيقة بكير  مع طلوع الضو وزقزقة العصافير وصوت بيان وهي عم تقول معقول ننجح! كلمات دعاء رح نوصل لهدفنا وننجح أنا واثقة ياصبايا! لهلق ببالي كلمة أفنان وهي عم تخبرنا خدوا نفس طلعوا ع شروق الشمس وشعروا بنسمة الهوى الي بتجدد الأمل وما تخافوا نحن كيان!

اشتغلنا مع فتيات أميات ونجحنا بتعليمهن القراءة والكتابة بشكل كبير، وماوقفت القصة هون قررنا نتابع نتيجة عملنا عطتنا حافز لنستمر.

  قصتنا بدأت بوحدة وهلق نحن مجموعة”كيان”  جمعتنا قيمنا وأفكارنا وأوجاعنا الي مرينا فيها وقدرنا نتغلب عليها عم نحاول نوصل للبنات يلي حابين يكملوا دراستهم بس ماعندهم الفرصة حتى يحققوا أحلامهم ومنشاركم تجاربنا وندعمهم حتى ينجحوا وفي منهم كتير.

 
مريم يلي انقطعت عن الدراسة وهي بعمر صغير كل يوم لما تشوف طلاب المدرسة، كيف عم يروحوا على مدارسهم ويرجعوا وهي مانها قادرة تروح وتبكي على حالها وعم تحلم ترجع لمقاعد الدراسة.

 
وليلى يلي كانت من الطلاب الأوائل بس ماقدرت تكفي دراستها وتحقق حلمها إنها تصير طبيبة، بسبب وضعها المادي وتكاليف الدراسة المرتفعة وأصبحت إنسانة محبطة دون أحلام بعد ما كانت كتلة متوهجة.


وأمل يلي عم تعاني كل يوم مع أولادها وهي مانها قادرة تساعدهم بدراستهم، لأنها تزوجت وهي بعمر صغير وما قدرت تكفي تعليمها  والأمل غايب عندها.


وسمر اللي بتعاني من الظلم والقهر وبتسمع كلام كل يوم يا جاهلة يا أمية من الأشخاص الي حواليها المتعلمين  لأنها مابتعرف تقرأ ولا تكتب حتى اسمها.


ورغد اللي يستهين فيها كل يوم زوجا المثقف وبعيرها كيف أنا اخدت جاهلة مو بمستواي ومتلي! 


وفي كتير  متل رغد وريم وليلى من النساء والفتيات لهيك خلونا نشوف ريم وروان وأمل ورغد عم يتابعوا تعليمهن، ونرسم البسمة والفرحة على وجوههم ليكونوا متعلمات ويفتخروا بأنفسهن، ويعلموا أشخاص غيرن خلونا نشوف والنساء والفتيات اللي متلن عايشين حياة أسرية سعيدة معتزات بنفسهن دون خوف من أزواجهن.


خلينا نكون يد وحدة لحتى نعيش مع مريم فرحة الرجعة لمقاعد الدراسة، ونمشي مع أمل مسيرة أولادها وهي عم تساعدهم لحتى يصيروا قامات علمية، و بيان لحتى تحمل شهادتها تلبس مريولها وتحقق حلمها إنها تكون طبيبة وتساعد المرضى، خلينا نرسم البسمة على وجه سمر وهي عم تكتب وتقرأ كل اللافتات يلي عم تمر قدامها.


ما عاد بدنا نشوف بنت عم تتحسر على ضياع أحلامها وتعليمها.

No tags

أحلام.. أصرت على تحقيق الحلم!

أحلام.. أصرت على تحقيق الحلم!

من لما كنت طالبة بكالوريا كنت أعشق الدراسة والعلم، وما أرضى غير إني كون الأولى كل سنة، وبالفعل نجحت وجبت 240 من 240 مع أني كنت أدرس على ضوء القمر أو النواسة أحيانا، كانت فرحتي مالي الدنيا… والأرض مو واسعتني ودموع الفرح مالية عيوني.
نجحت.. بعد تعب وسهر وسفر من الضيعة على المدينة، وكنت احلم باليوم إلي رح روح فيه عالجامعة وكمل حتى دراسات عليا وكنت أول بنت في القرية رح تطلع تدرس برا الضيعة، وفجأة أبي بيحكيلي!
“ما عنا بنات تدرس برا قال جامعة قال , شو بدك الناس تحكي علينا بعت بنته لحالها على الجامعة! لهوووون وبس البنت من بيت اهلها لبيت جوزها”

عبارة أي صعقتني، نمل جسمي وحسيت حالي رح أنشل للحظات رجف قلبي وسخن وجهي وفكرت للحظة انو هاد مو صوت أبي وأنو اللي عبسمعه كابوس، بس لا هاي هي الحقيقة للأسف.
وهون قررت فكر بهدوء شو لازم أعمل بسرعة لإنقاذ الموقف، جوهت على أبي ولاد عمي وحكوله إنه حرام يبطلني لاني شاطرة ولكن ما رد عليهم، ولما رحت لجيب الشهادة من المدرسة بالمعرة تجرأت و حكيت للمدير قصتي وكان كتير يحترمني، طلبت منه انه يتواسطلي مع أبي ويساعدني بتغيير قرار والدي وبكيت قدامه كتير لاني بحب كمل تعليمي، وهون المدير تعاطف معي وقلي بوعدك إنه رح ساعدك بس بدك تطولي بالك.
وبالفعل بعد كم يوم بعت المدير لوالدي بطاقة دعوة لحضور اجتماع أولياء الأمور، وكان متقصد يعمل هالشي منشاني طبعا وبالفعل تم تسليم الورقة لأبي وتاني يوم راح أبي عالمدرسة بدون ما يخبرني إنو رايح وأنا كان قلبي محسسني أنه رايح عالمدرسة ليشوف المدير.
وضليت أستنى على نار لبين ما رجع وكنت قاعدة على حرف الدرج عبستنى الخير اللي بتمناه، وفجأة من بعيد طل أبي وهو حامل بيده شي ولما قرب شوي شفته يضيف أهل الحارة راحة وبسكوت،حسيت في شي رح يفرحني ولما دخل ابي عالبيت تطلع فيي وابتسم وقلي : “كلهم حمدوا منك رفعتي راسي اليوم والله كلهم فرحانين فيكي لانك الاولى..خلص اذا بدك كملي جامعة بس بشرط بحلب ومافي غيرها”
بهي اللحظات ما بعرف شو صابني أفرح ولا أبكي ولا أحضن أبي ولا ولا ولا شعور غريب وحلو كتير..
وهون انا رحت سجلت بجامعة حلب أدب عربي وتخرجت وعلمت مئات الطلاب والطالبات وكتير منهم/ن تخرج ولهلا بسمع عبارات شكرهم بداني، ودربت آلاف النساء والفتيات والرجال وساعدت كتير منهم ليكملوا دراستهم ويوصلوا لاهدافهن/م.
وهيك سنين وسنين 11 سنة وأنا هيك درس ودرب وساعد النازحين/ات وأسس فرق تطوعية حصلت على عدة جوائز دولية وكنت من بين الـ100 امرأة الأكثر تأثيرا بالعالم والوسام الذهبي لصناع التغيير على مستوى الوطن العربي كان من نصيبي والحلم الأكبر اللي حققته بافتتاح مدرسة الأحلام اسم مدرستي ملأ المنطقة و صار بكل مكان على اللافتات وعلى الطرقات وأمام المدارس والبلدات، ولسا العمل مستمر والمستقبل يلمع بعيوني مثل ألوان قوس قزح.. فالأحلام لا تنتهي..
بس انا رغم كل هالشي ما وقفت عند حد معين، بالعكس تابعت عملي وشكلنا لجنة حماية لدعم التعليم بعد ما توقفت رواتب المعلمين في مدرسة أطمة الريفية، كان بالمدرسة 650 طفل/ة مهددين/ات بترك المدرسة وهذا الأمر كتير خطير.
ما بنسى وقت بدأنا بتشكيل اللجنة وقديش سهرنا وتعبنا وعانينا لحتى تنجح الحملة اللي عملناها للحصول على دعم ودفع رواتب المعلمين، وكنا نحاول ساعات لنقدر نرتب وقت للاجتماع لان كل واحد منا مرتبط بعمل ووقته مو بايده هاد غير البرد بالشتاء والتنقل و التنسيق.
قررنا أول شي نروح ع الوزير لنجيب موافقة إنه نحن بدنا نجمع تبرعات للمعلمين، وبالفعل حصلنا عليها وبتشجيع كبير من سلطات الأمر الواقع كمان لحتى ما نتعرض لأي تحديات أو مضايقات.
من هون بلشت حملتنا الاعلامية على الفيس والواتس والتلغرام، حاولنا نلفت نظر المجتمع لفداحة هالمشكلة، وكمان عملنا مجلس أولياء أمور وطرحنا فكرة ( جمع التبرعات ) لدعم التعليم وتأمين رواتب 27 معلم/ة وحراسين وموظفين/ات لخدمة المدرسة، وهالشي رح ينقذ 650 طفل من التسرب والفساد والتسول والعمالة والزواج المبكر.

زميلي الأستاذ أحمد اضطر يبيع سيارته البيك أب ليأمن أكل لأولاده والأساتذة زياد ومحمد وأديب، كلهم كانوا محتارين بعد سنين من التطوع كيف رح يأمنوا مصروف عيالهم ومعظمهم نازحين والدنيا شتا وبرد وفقر.
الحملة الاعلامية جابت نتيجة والكل تعاطف مع المعلمين وبلشنا نجمع التبرعات، من المنظمات والأطباء والتجار وحتى أهالي الطلاب
قسمنا الأدوار بينا، أحلام تجمع التبرعات وأديب بسلم الرواتب ومحمد ينسق للاجتماعات الشهرية لتسليم الرواتب، وهيك لمدة ست شهور، ماكنت الأمور سهلة ابدا بس كان في شي يحفزنا وهو أنه ما بدنا نشوف ولا طفل برا سور المدرسة.
بالنتيجة قدرنا نحقق شيء حلو كتير، لما قدرنا نأمن رواتب المعلمين/ات وكل كوادر المدرسة، ولما شفنا الطلاب/ات واقفين/ات بالطابور الصباحي وفرحانين/ات لأنهم/ن رح يكملوا/ن تعليمهم/ن وعيونهم/ن مليانة فرح.
والفرحة الأكبر لما اجت منظمة وقف الديانة التركي وتكفلت برواتب المعلمين كلهم واستمرت العملية التعليمية.

No tags

بتعرفي شو يعني زلزال؟

بتعرفي شو يعني زلزال؟

– يعني إنك تقومي من نومك مذهولة، البناء اللي إنتي فيه عم يهز بقوة مو عارفة شو عم يصير حواليكي، بس عم تسمعي أشياء ببيتك عم تتكسر وحيطان عم تتفسخ وأنتي عم تتشاهدي وناطرة تموتي.

– يعني إنك تنزلي من بيتك حافية وبردانة عم تسمعي أصوات أطفال ونساء عم تصرخ… تركضي بالشارع بالثلج… والمطر عم ينزل فوقك وإنتي رح يوقف قلبك من الخوف قبل البرد.

– يعني إنك كل ما فتحتي تلفونك رح تشوفي أو تسمعي خبر عن غالي أو عن قريب أو صديق مات أو انفقد تحت الأنقاض.

– يعني إنك تنامي وأنتي عيونك مفتحة، حتى ما تفيقي مرعوبة… تنامي وأنتي لابسة تيابك وحتى حذاءك، حاضنة جزدانك اللي فيه أوراقك الثبوتية حتى إذا متي يتعرفوا عليكي أو إذا ضليتي عايشة ما تتحولي لنكرة بدون أوراق لأنك سورية وما رح تقدري تسترجعي أوراقك الرسمية إلا بطلوع الروح.

– يعني إنك تخافي تتحممي لحتى ما يصير زلزال أو هزة جديدة وما تلحقي تلبسي تيابك.

– يعني إنك كل ما ارتفع ضغطك، أو تسارع نبض قلبك نتيجة الرعب اللي شفتيه، أو حدا جنبك تحرك، تفكري إنو رجع الزلزال وتصيري تجفلي فجأة وتحسي بدوخة.

أنا ما حدثت وضعي بإني آمنة من الزلزال لأنه والله لهلق ما عم نحس بأمان، عشرات الهزات يومياً، وبعدني بغازي عنتاب.

الله يرحم الضحايا اللي ماتوا ويتقبلهم، ويعافي الجرحى والمصابين.

No tags

بعد شهر من الزلزال، خفّ الوهج الإعلامي، وما عدنا تريند

بعد يومين على الزلزال، كان رفيقي يلي عم يشتغل معنا دايماً يقلي جملة “بدنا نفكّر كيف الأغراض تكفينا بعد شهر من هلق وقت يخفّ الوهج الإعلامي وتبلّش الناس تنسى.”

كان جملة “بعد شهر” بالنسبة إلي هي شي بعيد جداً وأسود ولا يمكن تصوّره ولا التفكير فيه ولا تخيّل الوضع كيف ممكن يكون بعد شهر على الزلزال.

اليوم مضى شهر كامل.

ومتل ما قال رفيقي، خفّ الوهج الإعلامي، وما عدنا تريند. كيف الوضع بحلب بعد شهر على الزلزال، الصورة يلي حتى أنا ما كنت قدرانة أتخيّلها؟

الغالبية العظمى من الناس بحلب لليوم ما قدرانة تنام، وأنا منهم. في حالة أرق واضطراب شديد بالنوم. في كتير ناس صارت تخاف ببيوتها أو غرفها، أو حتى يصيبها حالات من الأرق الغريب.

الغالبية العظمى من الناس بحلب صار عندها فوبيا من الكوارث. ناس بضل عندها دوار، أو عندها شعور دائم إنو عم يصير هزّات حتى لو ما صار شي. الناس صارت تخاف من أي صوت أو أي حركة، وجدياً يمكن الناس عم تقضي مجمل دقائق ساعة هي وعم تطلّع ع التريّا تبع البيت للتأكد إذا في هزّة أو لا. كل ما طلع صوت من الموبايل منخاف تكون إشعار تحذير من تطبيق الهزّات المنتشر. نراقب شكل الغيم وصوت الحيوانات وحركة الرياح وكل الأشياء الغريبة لي ممكن تقلنا في شي رح يصير.

لسا أول شي مننتبه عليه وقت نفوت على أي مكان هو تشققات الجدران. لسا منصف السيارات بعيد عن الابنية والحارات الضيقة والعواميد والشجر.

في ظاهرة غير طبيعية منتشرة بحلب حالياً، يلي هي إنو كلياتنا ناطرين الزلزال يلي رح يصير ٧ أو ٨ الشهر. بدون أي تفسير!

في حالة من الإنكار الشديد لكل شي صار. عقلنا وبطريقة غير مفهومة عم يدفن كلشي صار معنا. كل يوم بيمضى كتير بسرعة، بنفس الوقت بتحس الوقت كتير بطيء. ولسا كل حديثنا طول الوقت هو عن الزلزال، ومع ذلك، ما منحب نحكي عن الزلزال أبداً.

بثانية نشعر أننا كتير كتير مناح، وبالثانية يلي بعدا منحس اننا ابداً مو مناح.

لسا الناس حاسّة بالعجز، وحاسّة إنو في شي لازم تقدّمه وما بتعرف شو هو. في حالة غريبة من الفراغ والضوجان والثقل النفسي يلي ما منعرف كيف نعالجها.

لسا في كتير كتير ناس عم تنام بالشوارع والخيم، في كارثة ماديّة غير طبيعية ما زالت تغطّي المدينة. ولسا عم نسمع حالات وقصص ما ممكن إنسان يتخيّلها.

بنفس الوقت، لسا في كتير مبادرات عم تشتغل وعم تسعى لتكمّل شغل. وفي كتير شباب عم يحاولوا يعملوا تغيير. وفي كتير قصص حرفياً هي بطولية عم تصير بحلب بكل يوم.

بعد شهر من الزلزال، خفّ الوهج الإعلامي، وما عدنا تريند.

ولكن لسا الوضع تعيس ومخيف، لسا في مشكلة هائلة ما منعرف شو الحل وكيف أصلاً نبدأ فيه. الكارثة لم تنتهِ، ‘وبعد شهر’ لساها جملة بتبيّن مخيفة وبعيدة كتير كتير.

No tags

أمهات سوريات وحيدات يروين ما حدث معهن لحظة الزلزال

أمهات سوريات وحيدات يروين ما حدث معهن لحظة الزلزال

 

“إنها ثوان، ولكنني شعرت أنها استمرت لساعات” بهذه الجملة بدأت صفاء حديثها عن لحظات الزلزال التي عاشتها مع أطفالها الأربعة.

في صباح يوم الاثنين الساعة 4:17 دقيقة وقع زلزال مدمر ضرب 10 ولايات في جنوب تركيا والعديد من المدن والبلدات السورية في الشمال، وراح ضحيته عشرات الآلاف من أهالي تلك المناطق، بينما تهجر الملايين وفقدوا منازلهم.

صفاء 37 عاما، سيدة سورية تقيم في منطقة كركخان في ولاية هاتاي التركية، أكبر أطفالها بعمر 13 عاماً وأصغرهم 7 سنوات.

إنها القيامة

تقول صفاء “كنت نائمة واستيقظت، لم أعرف بالبداية ما يحدث ولكن الخوف جعلني أصرخ بصوت عالي حتى استيقظ أطفالي”.

تكمل “صرخت على أطفالي اخرجوا للشارع بسرعة، وحملت ابني الصغير وركضت مسرعة، صحت بأطفالي ابقوا أمام عيني دعوني أراكم جميعاً”.

بتلك اللحظات لم تفكر صفاء بنفسها وإنما كانت حريصة على حماية أطفالها وإنقاذ حياتهم، وشعرت أن تلك اللحظات ساعات طويلة بينما هي ثوان قليلة ولكنها كانت ثقيلة ومرعبة.

تنتظر صفاء لم الشمل، إذ أن زوجها يعيش حالياً في بريطانيا منذ سنة ونصف، وتضيف: “عانيت كثيراً ربما لو كان زوجي بجانبي لكان الأمر أخف ثقلاً علي، مسؤولية الأطفال وخوفي عليهم وعلى نفسي كان مرهقاً”.

بقيت صفاء مع أطفالها عدة أيام في مراكز وخيم الإيواء، ومن ثم تمكنت من الخروج إلى ولاية أخرى وحالياً تقيم لدى إحدى قريباتها بشكل مؤقت.

لحظات ذهول

أما ملك، أرملة سورية تعيش أيضاً في جنوب تركيا مع أطفالها الثلاثة، تخبرنا عن لحظات الزلزال الأولى، تقول “عندما بدأ الزلزال لم أدرك فوراً ما يحدث حولي، صحت بأطفالي وحضنتهم وانتظرنا حتى انتهت”.

تسكن ملك في بناية من 8 طوابق، وتعيش هي في إحدى شقق الطابق الرابع، حيث يتكون كل طابق من 4 شقق.

تكمل ما حدث معها ” عندما توقفت الهزة، فتحت باب الشقة وسمعت أصوات الجيران وهم ينزلون مسرعين، ولكنني لم أنزل، فأنا لا أعرف إلى أين أذهب”.

ولكن سرعان ما بدأت هزة جديدة قوية جداً، وبدأت حيطان شقة ملك تتفسخ وتتشقق وسقط بعضها، ما جعل ملك تخرج مع أطفالها مسرعة من دون حتى أن ترتدي حجابها.

تقول: ” عندما بدأت الهزة الثانية خفت كثيراً طلبت من أطفال الخروج حتى أنني لم أرتدي الحجاب والحذاء وكذلك أطفالي نزلوا إلى الشارع من دون أحذية”.

من أكثر الأمور صعوبة على ملك، أنها كانت وحدها مع الأطفال وتمنت في تلك اللحظة لو كان زوجها حياً، ربما لكان الأمر أخف ثقلاً عليها، هكذا أنهت حديثها.

فقدت القدرة على التفكير

عائشة 30 عاماً، أم لطفلين أكبرهما عمره 8 سنوات والصغير 3 سنوات ونصف، تسكن في شقة صغيرة في قبو بناء يتألف من 5 طوابق وقبو، وفي كل طابق 8 شقق سكنية صغيرة.

انفصلت عائشة عن زوجها منذ سنتين، وهي تحاول الحصول على الطلاق من خلال المحاكم التركية بعد معاناة طويلة من التعنيف المتكرر.

تقول “عندما بدأ الزلزال ركضت بسرعة وحملت طفلي الصغير، حاولت فتح باب الشقة ولكن الباب كان عالقاً، كان ابني الكبير يبكي ويسألني ماما شو عم يصير”.

استطاعت الأم فتح الباب وخرجت مسرعة تحمل ابن بيد وتمسك الآخر باليد الثانية، واستطاعت أن تخرج من البناء، حيث كان عشرات الأشخاص بالشارع مذهولين مرعوبين من هول الحدث.

في تلك الليلة، كان الجو بارداً جداً والمطر شديد وقبل ساعات كان الثلج يغطي المنطقة، بدأ أطفال عائشة يبكون من البرد، لأنها أخرجتهم بثياب النوم خوفاً عليهم من الموت تحت أنقاض البناء.

تروي عائشة “كنت مجبرة على العودة للمنزل لإحضار ألبسة ثقيلة وأحذية لي ولأطفالي، تركتهم مع رجل غريب في الشارع ريثما أحضرت حاجتنا من الشقة”.

في الأسبوع الأول من الزلزال، كانت عائشة عاجزة عن التفكير واتخاذ القرارات، أين تذهب؟ ماذا تفعل؟ ممن تطلب المساعدة؟ لذلك كان لابد من أن تلجأ لأخوها في أوروبا وتطلب منه أن يساعدها في تأمين سكن في ولاية أخرى بعيدة عن منطقة الزلزال.

حكايات لم تحكى بعد

عندما بدأت كتابة هذا المقال، كنت قد أجريت عدة لقاءات مع نساء سوريات عشن هذه التجربة القاسية “كارثة العصر” كما أطلقت عليها وسائل إعلام عالمية وعربية.

فكرت منذ اللحظات الأولى للزلزال بالأمهات الوحيدات، وكيف أن هذه الثواني الكارثية سيكون وقعها عليهن أشد وأثقل، وهن يحاولن أن يخترن أي من أطفالهن سيحملن وسيهربن به! فكرت بهن، لأي وجه سينظرن ويحاولن أن يشعرن بالقوة أو بالضعف لا فرق.

مضى على وقوع الزلزال أكثر من أربعة أشهر، ولكننا ما زلنا متأثرات بشدته وجبروته، وما تزال لدى النساء السوريات حكايات كثيرة يروينها، عن خوفهن وتشردهن وفقدهن وحاجتهن ودموعهن.

No tags

ناجية من الموت

ليلة الزلزال الأسود 

لم تكن ليلة عادية وإن كان ظاهرها السواد

استلقيت على فراشي وغرقت في سبات وما إن كانت الرابعة والنصف حتى أتتني الاتصالات متلاحقة فهم يعلمون أن إخوتي في الجنوب وخاصة أن مداها وصل إلى دمشق. هرعت مسرعة لأتذكر أرقام إخوتي. الأمر أشبه بالكابوس، لوهلة تذكرت أيام الحصار في الغوطة. 

لا وقت لدي، يجب أن أكلّم أخي وأختي لن أدع الذكريات تعود ثانية. ليلتها كانت عاصفة ومثلجة والحرارة تحت الصفر بدرجتين  يا إلهي ماذا سيحل بهؤلاء الناس؟ اعتقدت أنهم سيعودون لكن جاءت هزة أخرى وهنا بدا الأمر وكأنه لا يتوقف تابعت اتصالاتي أين ستنامون؟ 

وما إن ولد الصباح بدأت تصل الصور كانت محزنة للغاية هناك مئات الآلاف تحت الأنقاض مدن بالكامل منكوبة.

 الطرق مغلقة، الناجون يبيتون في العراء. 

عادت ذاكرتي الكئيبة لأيام الغوطة، تباً لها لا تستطيع تذكر إلا الأشياء المحزنة.

هرعت أتصل بالإخوة والأصدقاء وأذكرهم بأنه يوجد مأوى آخر…

لم تكد تسعفني ذاكرتي بأناس فبدأت أتذكر واحداً تلو الآخر. صديق والدي كان هو الناج أم الحزين الوحيد، هو وزوجته فقط لأنه كان خارج تركيا أما أولاده وأحفاده فباتت تخرج أسماءهم واحداً تلوا الآخر والعداد يعد نحو ارتفاع نسب الضحايا لقد بات خروجه نقمة عليه تمنى لو لم يخرج.

صديقتي فاطمة جميع أقاربها في هاتاي، كنت كل يوم انتظر أن تقول  ها قد خرجت… وكل ما نسمع أن هناك شخصاً ناج نفرح ونقول ولد من جديد. لقد كانت خيبات الأمل أكثر مما التوقع ونعزي أنفسنا أن صاحب الهدم شهيد. 

تتوالى الأيام وفاطمة على انتظار لم تكن أياماً عادية ونحن ما إن يخرج الصباح ونحن ننتظر الفرج. يارب اقسم لهم الحياة بات خروجهم أحياء شبه مستحيل بعد أن بدأت الروائح تفوح. 

أين أنتِ أيّها الدول التي لديك تجارب في إنقاذ ضحايا الزلزال؟ كانت الاستجابة البطيئة يجب أن تكون ليلاً نهاراً. 

لم يعد الجميع على قيد الحياة. في اليوم العاشر تمنت فاطمة فقط أن يعرفوا أي خبر. باتت تأتينا الصور والأخبار أنهم فقدوا حياتهم، الابن والابنة والأخت والجدة والأعمام، الأب والأم. كانت زوجة العم قد خرجت حية. الأذيات التي لاحقتها كانت كبيرة من موت ولد وزوج، لقد كان محظوظاً من نام ليلتها هانئاً في سبات عميق مع أسرته ولا أحد يرثي أحد.

 أما الناجون مصابهم كبير 

يارب آويهم يا من لا مأوى إلا إليك. مرت الأيام سريعة، وكنت أذكر أيام الغوطة في الحملة الأخيرة أذكر كيف حملت ابني وهرعت إلى الطوابق السفلية وما إن مكثت جالسة حتى حصل التفجير، وكأن الله قد أرسل  لي بأن أسرع.

 جاءت غيمة سوداء مع نار كثيفة وقصف بيتي آنذاك. لم أكن أرتدي إلا حجابي، خرجت مسرعة إلى دار عمي وقد كانت كل البيوت مدمرة. بحثت عن حذاء لم أجد. خوفي من صاروخ آخر جعلني أركض وأركض دون وعي، وتوالت الأيام ثقيلة كليلة الكيماوي لم أرَ ليلة كليلتها!

 لا نستطيع صنع أي شيء، عشرة أيام من مطلع الفجر وطيلة الليل من البراميل والراجمات والميغ والفوسفور. صرت أميز جميع أنواع الطيران والقصف.

 آسفة لم أحمل في ذاكرتي إلا هذه المأساة كل ما أبعدتها أتت مسرعة وكل ما تجاهلتها فاجأتني بصورها.

هذه صور منزلي وتعني لي الكثير وخاصة عندما شاهدت منازل الزلزال لم أر فرقاً بينها.

 

No tags

الزلزال..أوجاع وخيبات داخل الحدود وخارجها

ردّدت على مسامع طفلتي بعض الآيات القرآنية، كرَرَتها مرارا قبل الخلود إلى النوم حتى تترسخ في ذاكرتها، غلبني النعاس في وقت متأخر ونمت لا شعوريا في غرفتنا الصغيرة الدافئة… كان الطقس في الخارج بارداً جداً، لم أكن أعلم بأن تلك الليلة استثنائية ولا تشبه سابقاتها وستترسخ في أذهاننا مدى الحياة.

 أيقظني زوجي بصوته المرتجف “فيقي الأولاد لنطلع بسرعة من البناي عم تنهد فوقنا” حينها انقطع التيار الكهربائي والأرض تتأرجح يمينا وشمالا دون أن تهدأ وأصوات حجارة تتساقط تخرج من الطوابق العليا والمكون من سبعة طوابق كنا في أولها، علمنا لاحقاً بأنها خزانات المياه الاسمنتية انفجرت في الطوابق المرتفعة وخرج ذاك الصوت الذي يوحي بأن البناء يتهدم، علماً أنه متضعضع قليلاً منذ أيام قصف الطيران وربما ما زال واقفاً بمعجزة.

 اصطحبت أطفالي بسرعة فائقة ولحسن حظي بأنهم كانوا بجانبي تلك الليلة بعد أن ألح طفلي على النوم معنا بحجة أن غرفته باردة ولا يوجد فيها مدفأة، خرجنا هائمين على وجوهنا حتى أن هاتفي المحمول سقط من يدي عند باب المنزل ولم أستطع حمله.

 لا يسمع في الخارج سوى التكبيرات… الرجال يُكبرون والنساء تصرخ والخوف يكبر في قلوبنا أكثر فأكثر… في تلك اللحظات لم أدرك تماماً ما الذي يجري حولي سوى أن الوقت طويل ولا يكاد ينتهي الأمر الوحيد الذي أدركه هو أنني أريد حماية عائلتي بشتى الوسائل ولا أريد مفارقتهم… ربما هي الرغبة بالحياة التي يشعر بها كل إنسان… الحياة التي لم تكن منصفة بما يكفي لنا نحن السوريون ولم تتمسك بنا يوما كما تمسكنا بها.

بعد سكون الأرض بقليل أجريت اتصالاتي كان بعض أخوتي بخير أما البقية ممن كانوا في تركيا فلا شابكات تصلنا بهم ولا شاشات ذكية تطمئننا عنهم، شعور لا يمكن للكلمات ترجمته، كانت ليلة صعبة جدا ظننت أنها ستنجلي وينتهي كل شيء ولكن مع جهجة الضوء كان الأمر مختلفا.

 الحزن يخيم على البلاد والمدن منكوبة وأخرى لا معالم لها، العالقون تحت الأنقاض في كل مكان وعائلات بأكملها لم يبق لها أثر وأحيانا قد تجد منهم شخصا واحدا بقي بمفرده ليموت في كل لحظة مئة مرة.

اليوم وبعد مضي شهر على وقوع الزلزال لازلت أشعر بعدم الاتزان، وما تزال مشاهد تلك الليلة تتكرر في ذاكرتي وعالقة في مسامعي وكلما أردت الخلود إلى النوم أتذكر صوت حفيف الأرض وتهدم الجدران وصراخ الأهالي وبكاء الأطفال، ثم إنني كلما أحاول النسيان تعود الأرض بهزة جديدة تعيد الخوف لداخلي، حتى إنني عند حدوث الزلزال الثاني خرج الجميع من حولي وأنا في حالة من السكون لم أجد لها تفسيرا حتى اللحظة، لم أهرب خارج المنزل حينها ولم أصرخ إنما اكتفيت بحمل طفلتي الصغيرة وتوقفت أطرافي عن الحركة.

يا إلهي كم هو غريب ذاك الشعور وأتمنى ألا يحصل معي ثانية فهو مؤلم حد الموت…

كما أن المؤلم أكثر هو أحاديث الأطفال عند يتذكرون لحظات الزلزال ويتكلمون عنها بخوف وخاصة عندما أسمع بأن طفلاً يأبى النوم مع عائلته تحت سقف منزلهم ويفضل النوم بمفرده داخل سيارة والديه في شارع مظلم بعيداً عن الجدران والأبنية، لا يكفي ما تركته الحرب في أذهانهم من ندوب نفسية طويلة الأمد ليأتي الزلزال بندوب أكبر وأشد وطئاً.

لطالما كان الأطفال هم الحلقة الأضعف في حالات النزاع والزلازل، ثم ماذا لو كان هؤلاء الأطفال مهجرون خارج حدود بلادهم ولم يبق لهم أحد من عائلاتهم يسندهم بعد خذلان الوطن لهم وخذلان الأرض لهم ومنظمات حقوق الطفل أيضاً لتلاحقهم الخيبات إلى ما وراء الحدود وإلى كل مكان.

No tags