إن نهض الوطن لاحقاً من سيعيدنا إليه؟

لم أكن أعلم أن التاريخ يعيد نفسه بهذه السرعة والأيام في إدلب متشابهة جداً ,أو قد أكون أنا بطيئة.
بالأمس كنت أكتب ما ظننتها كلماتي الأخيرة. كنت أكتب عن سقوط مدينة خان شيخون والقصف العنيف من قبل قوات الأسد والروس على مدينتي كفرنبل بريف إدلب الجنوبي.
كنت أكتب ذلك في منزلي الذي بدأت للتو بتأسيسه. ذلك الأمس سيوشك على أن يكون سنة، وأنا خارج مدينتي قسراً. ذلك الأمس كنت في منزلي الذي لن أراه مرة أخرى.
أدركت متأخرة أنني بطيئة. لا أقدر على استيعاب سقوط كل شيء وانهياره بكل بساطة أمام ناظري. كل شيء يسقط. البيوت تسقط. الشوارع والأسواق والاحياء. المدارس والمشافي والجوامع تسقط.
حتى الحقوق والكرامة والمشاعر. البشر يسقطون بوسائل عديدة ايضاً كما يشاهد كلّ العالم. المدن تسقط وحتى الوطن سقط!
يكسرني كل خبر وكل صوت يتناقله المدنيون الهاربون من الموت في ادلب وريفها. كسرني الموت الذي لا ينتهي. وها أنا اقف مكاني بلا حراك. بطيئة جداً أعجز عن التصديق والتقبل. لا آلية نجاة لدي ولا رغبة.
الجميع يعرف أننا نُقتل، نهرب، نُهجّر، نُقصف ولا موقفَ يُتخذ. لا ترعبني فكرة الموت بقدر فكرة الفقدان.
معرة النعمان سقطت والجميع يتساءل ما التالي؟ أين سنرحل؟ ماذا سنفعل؟
كل شيء بات سخيفاً بعد اليوم. حتى وإن نهض الوطن لاحقاً من سيعيدنا إليه؟

موت, نزوح أو لجوء.. خياراتنا الوحيدة

ضجيجٌ وهدوء، أقدامٌ مسرعة، وجوهٌ لا ملامح لها، سماءٌ أطبقت على من أنهى القصفُ حياتَه ذاك اليوم، أبوابٌ مشرّعةٌ تودّع أصحابها، طرقات ممتلئة، ودروب مفتوحة على خيارات محدودة.

 كان الجميع يتبعون بعضهم في المسير . ” ذلك الممر آمن لقد مرت منه مجموعة  قبلنا ” كانت البوصلة الأساسية ومعيار الأمان الأول نحو العبور، واختيار طريق الخروج . 

 ذاك اليوم كان بداية الرحلة القاسية. نزوحٌ جماعي وهربٌ من الموت إلى مصير مجهول  ووجهةٌ مؤقتة. كانت مؤقتة يومها، أمّا اليوم فقد أصبحت جزءاً من تاريخ أهل تلك المدينة الذين تملأ حكاياتهم أحاديث الغربة، وفراق الأحباب والأصحاب. تلك الغربة التي تملأ أيضاً  قلوب من بقي داخل الوطن قبل الذي غادره.

لقد مرّ على ذلك سبع سنوات،  قضينا ثلاثة شهورٍ منها في بلدة قريبة، في بيت صغيرٍ فاض بأعداد كبيرة. ثماني عائلات عاشت معاً ضمن ثلاث غرف، كنّا لا نقربها إلاّ للنوم، أو لتناول الطّعام، أمّا باقي الأوقات قضيناها في بستان مقابل كان المكان الأوسع والأنسب للعب الأطفال وراحة الأمهات والبنات .

كان ذلك المكان المحطة الأولى قبل الانطلاق نحو خياراتٍ مختلفة لكلّ عائلةٍ من زوار ذلك البيت .

اخترت مع عائلتي وعائلة أخت زوجي التوجه إلى لبنان كونها الأقرب في حال وردنا خبر عن إمكانية  العودة إلى مدينتنا من جديد. كان الأمل هو المُتحكم بكلّ خطوة، والخوف هو المجرم والمُحرّض الأساسي على الرّحيل .

اعتقدنا أنَّها خطوتنا الأولى نحو الراحة والبعد عن الخوف. “المهم انو نحنا مع بعض ، والمهم انو ما في اعتقال ولا قصف” كانت العبارة المرافقة لنا منذ أن خطونا أولى خطواتنا في لبنان إلى وقت غير معلوم.

كنا ندرك أنَّ الكثير من المصاعب ستواجهنا،  لكننا آثرنا أن نبقى و نتمسك بالأمل ” فترة و بتمضى، كلهن كم شهر ومنرجع لبلدنا ومنخلص من الظلم ” .

كانت المصاعب ومازالت أكثر من أن تُلخص أو تكتب .

 لم تبدأ! هي موجودة دائماً حتى قبل أن نضع أقدامنا على أرض لبنان .

اختلف شكل المعاناة، لكنه صار ثقلاً مضاعفاً يجثم فوق صدورنا، فقد تركنا خلفنا أناساً يرسمون لنا معالم الوطن بوجودهم، مازالوا هناك مهددين بالخوف، والموت، ومحكومين بالاستمرار رغم الحرب.

كانت الساعة السادسة عندما حللنا ضيوفاً في منزل أحد الأقارب في إحدى قرى لبنان .

بقينا عندهم ما يقارب الشهر خلال بحثنا عن بيت للإيجار، وممّا زاد الأمور صعوبة  رَفْضُ غالبية المالكين تأجيرنا عند معرفتهم بوجود عائلتين مع ستة أطفال، إضافةً لعدم إمكانية استئجار بيت منفصل لكل منا فالإيجار أغلى من أن تحمله عائلة واحدة لقلة السيولة، وغياب كامل لمعرفة سوق العمل وكيفية تأمين لقمة العيش، ومصاريف العائلة في الأيام القادمة .

تخطينا العقبة الأولى، وانتقلنا إلى المأوى الجديد. كان بيتاً كبيراً على أشيائنا، ضيقاً على أحلامنا، بارداً و فارغاً إلّا من صدى ضحكات الأطفال عند اللّعب .

أطفالنا يلعبون ويضحكون، لكنّهم حرموا وقتها من أبسط حقوقهم في التعليم  لتأخرهم عن وقت التسجيل في المدرسة، فقد مرت خمسة أشهر على بداية العام الدراسي  .

 أكثر ما آلمني عتب ابنتي ولومها الدائم لي، لأنني لم أسمح لها باصطحاب حقيبة المدرسة الجديدة التي اختارتها بنفسها من السوق بما فيها من دفاتر وكتب من منزلنا أثناء خروجنا من المدينة مسرعين. 

 “مافي داعي نجيبها،  تقيلة عليكي ، كم يوم ومنرجع ، منخبيها بالخزانة ” هكذا قلت لها يومها عندما حملتها أخذتها من يدها، ووضعتها في خزانتها، وأقفلت. ليتني لم أفعل!  ليتني أحضرت كل أشيائهم وألعابهم! علَني خففت عنهم ثقل الوقت والغربة. 

منذ سبع سنوات وإلى الآن لم يغب ذاك اليوم بأدق تفاصيله عن مخيلتي وتفكيري، ولم تنتهِ المصاعب، ولن تنتهي، لكنّها تختلف وتزداد تعقيداً كل يوم، إلّا أنّني  أؤمن أنه لابد من نهاية لكل ألم، وأنَّ الصّعاب وُجدت لنتخطّاها، ونتعلّم منها فنكون أقوى . 

هذه بداية القصة، والخطوة الأولى على طريق التّغيير والأمل …….

No tags

إدلب ليست صديقة بعد اليوم

سقطت أم تحررت، صديقة أم عدوة، حمراء أم خضراء، هذا لم يعد يهمنا بعد اليوم. فالأمتار القليلة التي باتت تفصلنا عن الموت نهايتها محتومة؛ إذن لمَ نزعج أنفسنا في أيامنا الأخيرة بالتنازعِ على أرضٍ قدرُها أن تكون محرَقة؟

لم تعد تسعفني الكلمات كما اعتدت كل مرة عندما ألجأ إليها خلال لحظات ضعفي. لم تعد اللغة العربية بعظمتها سوى السبيل الأخير لوصف ما يجري. لن تنقذني، أو توقف الموت في وطني، لكنني رغم هذا أجد نفسي متشبثة بشراسة بها.

مللتُ الحديث عن سنوات الحرب الثمانية في سوريا، الأجدر أن أصف آخر ثلاثة أشهرٍ في ريف إدلب الجنوبي. تنزلق مفردات الموت بكثرة من بين أصابعي، لتستوطن نصوصي. لكن  ما يحدث يجعلني عاجزة حتى عن الوصف، إذ أخشى ألا أعطي شقاء النزوح حقه. ألم الفقد والخسارة، واقع التشرد المرير، حقيقة حداثة الفقر، والحلم الوحيد في تأمين رقعة آمنة ولقمة خبز.

 يحركوننا كاللّعبة، ويخططون لأجلنا خططاً نهايتها التراب والظلام، ويمارسون نرجسيتهم علينا، بينما نحن البشر في ريف إدلب أحياء! ما زلنا أحياء فعلاً ونتنفس! ومن لحم ودم! فكيف تتخلصون منا كما لو أننا مجرد أرقام وإحصاءات؟!

  كأننا نعيش كابوساً، أو نمثل فيلماً. كأننا مرضى سرطان ينازعون كل ساعة، يودّعون الأشياء والأشخاص، ويعيشون كل يوم كأنه الأخير في حياتهم، ثم يستيقظون في اليوم التالي لتبدأ رحلة المعاناة. كأننا نرفض تصديق واقعنا المميت.

“ميسورو الحال” مصطلحٌ جديد يتداوله سكان ريف إدلب الشمالي، الذي لجأنا إليه من الريف الجنوبي، والذي يفترض أن يكون آمناً. هذا المصطلح يطلق على من اتجه شمالاً واستطاع أن يجد سقفاً ينام تحته، وحائطاً يستند عليه، وباباً يحفظُ خصوصيته. لكن ماذا عن فقير الحال؟ ماذا عن أولئك الذين فقدوا كل شيء خلال ثوان بسبب صاروخ روسي وتحولوا إلى فقراء؟ ماذا عن اليتيم والوحيد والمريض؟

لا تَأَقْلُمَ مع الألم والعذاب، لا أُلْفَةَ مع الخطر والرعب والتهديد، لا مزاح مع التشرد والموت. عشرات السيارات المحمّلة بأثاثٍ كان ملاذاً لعائلة أصادفها في طريقي كل يوم، مئات الوجوه المتألمة أقابلها في المخيمات والشوارع، وآلاف الأصوات الباكية تحت الأنقاض وبين ألسنة النيران. فكيف أتأقلم؟ كيف أكون إنسانة سويةً؟ كيف أخلو من العلل وأمراض العصر من توترٍ، وخوفٍ، واكتئاب؟

  بتنا كالسماسرة نبحث في كل بقعة عن مأوى. نبحث، نترقّب، نساوم، ونحاول أن نكون عوناً في الأيام المتبقية لحياة أحدهم بينما نحتاج نحن العون. ضاقت بنا السبل حتى اختفت، ولم يعد التنهُّد يريُّحنا، ولا حتى البكاء. يصبح الإنسان شرساً عندما يشاهد طفله يتلوّى من الجوع.

ما يمكنني أن أطلقه على أيامي هذه أنّها: كوميديا سوداء حالكة. وعندما أفكّر أن أحظى بطفل، وأمارس حقي الذي منحني إياه الله بأن أكون أمَّاً، ألعنُ نفسي عشرات المرَّات. 

طفلٌ؟ لا حياة للطفولة في إدلب.

“إكسترا سوبر وومان” في إدلب

 بدأ الأمر منذُ تتالي الخيبات. أجد نفسي مسؤولةً عن كلّ شيءٍ لأنّني امرأة! – وأعني هذا عندما أقول كلّ شيء- بالطّبع تشاركني في هذا نساءٌ عديدات تربطني بهم قرابةٌ شخصيّة، وأخريات أظلّ أشاهدهنَّ دائماً على مسافة متواضعة. كلّ امرأةٍ منّا تكافحُ في مكانٍ ما، وتلعب دوراً ما، أعياها وأعيانا.

بالتّأكيد يمكنني التّعميم وأنا مطمئنّة. أتشاركُ الهموم، والدّموع، والشّكاوى، والواجبات مع النساء كلّ يوم، وأحياناً عدّة مراتٍ في اليوم الواحد. فتيات أُرغِمْنَ، وأرغمتهنَّ الحياة على التّحولِ إلى نساءٍ لم يتخيّلنهنَّ أبداً.

“مو بدك مساواة” الجملة الشّمّاعة، الحلقُ الدّائمُ في الأذن، التّهمة والنّتيجة، الاستغلالُ والشّتيمة.

الشّمالُ السّوري “المحرر” حيث فرصِ العمل متوفّرة. تستوطن مشاق الحياة غير الطّبيعة التي تأبى الرّحيل، ويستبدّ الموت والتّشرد والرعب، طيلة سنوات الحرب في سوريا.

أكتب ما أكتب وأنا على درايةٍ كافية بأنّه ما من موقفٍ واضح سيتّخذ.

النساءُ في مجتمعي هذا اليوم أصبحْنَ ملاماتٍ، مرغماتٍ، مجبراتٍ على العمل، والبحثِ عن البدائل بفعل حربٍ خطفَت زوجاً، أو أخاً، أو والدين، وبسبب قصفٍ أقعد وأعاق كلَّ من ذُكر، ودراسةٍ لم تُحصّل كاملةً، أو نتيجة اكتفاء المجتمع بالمشاهدة، إذ يقلّب المحطات بين امرأة وأخرى وينتقد، يضع تقييمه السّلبي رافضاً المشاركة أو المساعدة.

حتى تتمكن المرأة من العيش في هذا المجتمع يجب أن تكون أكثر من خارقة، يجب أن تكون ابنة، زوجة، والدة، صديقة، ربة منزل، عاملة، ذكية، جميلة، مُدَّخرة ماهرة، سريعة التكيف، صبورة، قوية غير مسترجلة، هشّة وأنثى غير ضعيفة ومدلّلة. تكثر القوالب، وتكثر المهام. عذراً فأنا أحتاج زمناً طويلاً لأحصي كلَّ شيءٍ يتوجَّب على النّساء فعله.

المساواة قضيةٌ لا مساومة عليها، في الحقوق والواجبات، في الحياة بعيداً عن حصر الرّجلِ والمرأة بعلاقةٍ نمطيّة، بعيداً عن القوالب الجاهزة، والفرضِ والإجبار.

كيف تؤذي المرأة نفسها بعد سنواتٍ من الحشد بأعرافٍ بالية؟

عندما تشاء الظروف وتضعُ رجلاً في طريقها، فتحاول عبر فهمها المغلوطِ لمبدأ المساواة أن تصبح الرجل والمرأة، رغم وجود زوجها.

 مثلاً: صديقة لي تدعى سيرين، تبلغ من العمر 26 عاماً. تزوجت من رجلٍ تتفاوت درجة التّحصيل العلمي بينها وبينه، فهي حاصلة على شهادةٍ جامعية في الهندسة، بينما هو حاصلٌ على الشّهادةِ الثّانويّة. 

 سيرين تفني نفسها وجسدها كلَّ يوم لإرضاءِ زوجها، حتى لا يشعر “بِالدّونية” على حدّ قولها. سيرين أصبحت أمًّا بعد أن أنجبت صبيّاً “يحمل اسم العائلة”، وتخرج للعمل منذ الساعة الثامنة صباحاً وحتّى الخامسة مساءً، ثمَّ تعود لتبدأ رحلة الطّبخ والتنظيف بعد أن تحضر طفلها من منزلِ والديها للاعتناء به تارةً، وبزوجها تارةً أخرى!

ما أثار دهشتي في هذه الحكاية أن سيرين كانت سعيدة، كانت مقتنعة تماماً بأنَّ هذا الدّور مفروض عليها، وأنَّ النساء هنَّ من طالبنَ بالمساواة في المرتبة الأولى. أتلاحظون وقع اللّوم على النّساء مرّةً أخرى، رغم بقاء زوج سيرين طوال اليوم في المنزل يمارس حياته بكل بساطة؟ مالٌ جاهزٌ للإنفاق، هدوءٌ وراحة، طعامٌ شهيٌّ، وفي المساء زوجة! 

علمتُ فيما بعد أنَّ سيرين انفصلت عن زوجها بطلبٍ منه، بحجّة أنّها أصبحت “تميل للذكورة وأنَّ أنوثتها اختفت. تناقشه في كلّ شيء، وأنّها أنفقت مالها بشكلٍ شخصي مرتين (على نفسها وطفلها)”.

 لم يعد هذا الرجل بحاجة زوجة بدت قويّة، مستقلّة، وخارقة، فتخلص منها. سيرين أفنت بضع سنواتٍ من شبابها لتثبت لهذا الرجل أنّها قادرة على كل شيء وتناست نفسها، وبدلاً من تفهمها وإعانتها ومشاركتها قام بتفاديها.

أحبّي نفسك قبل كل شيء دون نرجسيّةٍ أو أنانيّة، بمعنى أن تقدّري نفسكِ. لا بأس في أخذِ عطلةٍ من الواجبات، لا بأس بأن ترفعي صوتكِ وتتحدّثي. هناك ما هو لكِ بحق وما هو عليكِ.

هذا المجتمع يحبُّ التّطرف في أمورٍ عديدة. نراه يبارك عمل المرأة، وعلى الضفّة الأخرى يرى أنّ من واجبها فعل كلّ شيء بنفسها، ويلومها إذا تأخَّرت أو مرضت، إذا غضبت أو اكتسبت وزناً، إذا تعرضت للتّحرّش أو تذمَّرت. وتطول قائمة اللّوم. 

قصصٌ عديدة عن نساءٍ أكثر من خارقات، يختبئْنَ في زوايا المنازل. قصصٌ عنوانها المرأة العاملة، وختامها رجلٌ كسول متطلب.

لسنا بحاجةٍ لأن نكون خارقات، لا نريد من المساواة المعنى المغلوط البارد والقاسي. نحتاجُ المشاركة، وأن نكون سنداً لبعضنا (الرجل والمرأة). نحتاج للدّعم والتفهم والتشجيع. نكره التطرف في قضيتنا، ومصطلح النّسوية عندما تعتمدون على شرحه بطريقة خادعة. 

نحن لا نريد أن نمحوَ أدواركم ووجودكم، لكنّنا نسعى إلى المشاركة الفعليّة في كلّ شيء، ونسعى للمساواة الحقيقيّة العادلة بعيداً عن التّطرف. 

No tags

حصار وتهجير وحلب لسه عالبال

اسمي عفراء هاشم “أم مضر” من حلب

ببداية الحملة الأخيرة الشّرسة على حلب قبل التّهجير. اُستهدِفِتْ المشافي، مراكز الدّفاع المدني، المجلس المحلّي، ومخازن القمح والطّحين فكانت المناطق عم تنهار بسرعة، حتّى الأراضي يلي كانت عم تنزرع جديد سقطت بإيد النّظام.  وصار في حالة هلع كبيرة بين النّاس، وشبح التّهجير صار واضح. لذلك بعض الأشخاص يلّي كانوا عم يدوروا على فرصة نجاة أخيرة. نزحوا على مناطق النّظام، وخلال نزوحهم استهدفهم عن طريق القصف المباشر، أو الاعتقال، وباقي المحاصرين قرّروا يضلّوا.

 أنا وزوجي وأطفالي قررنا نبقى من إيماننا بالشّيء يلي عم نعملوا. كنّا بنعرف انّو النّاس يلي عم تروح لمناطق النّظام  بهدف النّجاة مصيرهم الموت، وبنفس الوقت ما فينا نلومهم، وهنن كان عندهم هدا الخير، أمّا نحن ما عنّا خيار إلّا نبقى. 

بأوقات كنت رح هرّب أولادي مع شي حدا، أو خبّيهم بمكان بعيد عنّي مشان إذا سقطت منطقتي بإيد النّظام ما يقتلوهم معي، أو يقتلوهم قدام عيني.

خلال فترة الحصار ما كان في أكل يكْفي النّاس الموجودين، وحصار حلب كان فُجائي. بعد ما كانت من سنة محاصرة نارياًّ، ويضطروا النّاس يعرضوا أرواحهم للخطر ليطلعوا برا المنطقة مشي أو بسيّاراتهم  لتأمين الأكل ويرجعوا.

  بذكر مرّة عرّضنا حالنا للخطر لنقطع طريق الكاستلو لنروح على “دركوش” حتى أولادنا يشوفوا منطقة خضرا، فيها شجر ونبعة مي. لأن هاد الشّي مو موجود بحلب.

 كان غيرنا يشوفنا متهورين، بس نحن كنّا بحاجة لهيك مشوار لو عم نعرض حالنا للخطر حتّى نحس انّو  لساتنا بشر. كان صرلنا من( 2012 ل 2015 ) عنّا خوف من سقوط حلب بأي لحظة، فكان الحصار صفعة النا. 

كان عندنا أمل ينفك الحصار، وفعلاً بعد بشهر فتح الطريق لمدة أسبوع ما دخل فيه أي قافلة غذائية، ورجع أُحْكِم الحصار من جديد. وقتها النّاس أُنْهِكوا كتير وصاروا يهجموا على المخازن والمستودعات التّابعة لمجالس الأحياء، أو التّابعة لمنظمات إغاثيّة، وعمّتْ حالة شغب وسرقات للمواد الغذائية. ما كنّا قادرين نلوم حدا، لأن ما كنّا جاهزين للحصار، لذلك ما مخزنين أي شيء.

ما كان عندي ولا كيلو رز ببيتي، وهدا قمّة المأساة، وكمان ما كان فيه أراضي زراعيّة نستفاد منها، وببداية الصّدمة ما كنّا قادرين نفكر بحلول سريعة.

  بهدا الوقت النّاس أكلت بعضها من الجوع. بعدها صرنا نخترع أكلات لنقدر نشبّع أولادنا. الحصار كان مُحكَم تماماً ما في أي نفق أو منفذ يدخل منه الأكل. خبزنا بالطّحين البقيان عنّا.

بذكر إنّي أكلت خبز كان عبارة عن فاصوليا بيضا مطحونة مع رز وبرغل، وكان أسوأ أنواع الخبز يلي دقتها بحياتي. كنت غص بكل لقمة عم آكلها، مع ذلك نقول انّو في ناس بحاجة هدا الخبز أكتر مننا، وما نقدر نزاود بالسعر لنحصل على هدا الرغيف قبل غيرنا لأنّو هيك بنكون عم نحتكر، ونسبّب جوع أكبر للنّاس خصوصاً يلي مو قادرين يدفعوا أبداً.

أكلنا كان معكرونة، أو برغل، أو فاصوليا بيضا يابسة طوال فترة الحصار .مع ذلك ما همنا الجوع قد ما همنا الخطر اللي عم يزداد بالمدينة، ويقترب أكتر وأكتر.

 شبح السّقوط عم يتّضح يوم بعد يوم .كان ألمنا انّو نتحاصر، ونفنى بشكل كامل. انو نُعتَقَل، أو نُدبح متل ما صار بمجزرة الحولة. كان خوفنا أكبر بكتير من تفكيرنا بالجوع.

أنا كنت  مديرة لسلسلة مدارس. بالإضافة للعمل بالدّعم النّفسي لذلك بفترة الحصار. ننزل على الملاجئ. نحاول التّخفيف من معاناة الأطفال، والناس. نقدّم إسعاف نفسي أولي، ونحاول نساعد بالمطابخ الخيرية، ونطبخ للناس يلي بالملاجئ  تطوّعاً. 

كنا نُعْتَبر رموز بحلب، ووجودنا الحماسي المتفائل حول النّاس أعطاهم الأمل والدّافع للصّمود. كان وجودنا جدّاً مهم. أنا وكتير من النساء يلي تركوا بصمة كبيرة بفترة الحصار.

ما بقدر اختصر الألم، والخوف، والرعب، والقهر يلي عشناه بفترة القصف الأخيرة يلي استمرّت أكتر من شهر، وتم فيها خرق الهدنة بعد ما اتّفق عليها. 

وقت امتنعوا عن خروج الكل بعد خروج أوّل  قافلة، ورجعوا حاصرونا من جديد. اعتصمنا بمشفى بعد قصف عنيف وشديد. رفضنا نطلع من آخر نقطة طبيّة قبل خروج الجرحى، وخرجنا بآخر دفعة مع المهجرين. 

المسافة من مدينة حلب لريف حلب بالحالة الطّبيعية بتستغرق ربع ساعة .بس نتيجة الازدحام  الشّديد. استغرقت رحلة التّهجير 14 ساعة. كانت لحظات قاسية فيها رعب شديد. خفنا تكون أسماءنا عند النظام، فنُعتَقَل.

وصلنا لحاجز روسي. وقف الباص. فتّشونا. بعدها سمحولنا نمرق ،وهون كانت أصعب لحظة.

 الغريب احتل أرضنا، وذكرياتنا، وتاريخنا، وحضارتنا، ونحن صرنا الغرباء فيها. بينما أصوات الاحتفالات بمناطق النظام بالنصر المزعوم شغّالة.

الدنيا ليل وعتمة ومو شايفين غير فلاشات الكاميرات باتجاهنا، و كأنهم كانوا عم يعملونا عبرة لكل مين بدّو يصرخ، وينادي “حريّة” هيك مصيره: الحصار، التّجويع، القصف، القتل، وبعدين التّهجير.  

سبب خروجي من حلب كان قرار مو بإيدي. أكيد ما كان فينا حدا بيتمنى يطلع. كان قرار دولي.

 قاومنا، وحاولنا طوال سنين. كنّا مبسوطين وصامدين رغم كل شيء. بالأخير نحن بمكان مُحرّر. قاعدين بحارتنا وبيوتنا، ولو كانت عم تتعرّض للقصف دائماً. وكان في هوا. هوا بنعرفه ومألوف النا.

لمّا عرفنا بقرار التّهجير مشاعرنا اختلطت. ما نعرف نفرح، أو نخاف من الاعتقال أنا وأولادي، أونحزن على فراق تاريخنا، وأرضنا، وأحلامنا.

لما وصلنا على إدلب. كان الجو كتير غريب علينا. بالرغم من قرب المسافة بيناتنا، ولكن ما كان فيها شيء بيشبه حلب، وأهل إدلب حسّوا انّو نحن غرباء عنهم. كان شعور الاغتراب والتّخبط وفراق أحبّة، وأصدقاء تفرّقوا كل حدا بمكان هو الشّعور الغالب.

 

أكيد بنتمنى نرجع لحتى يلتم شملنا كلياتنا مؤلم جدا الي وصلنالو … كل حدا صار ببلد منهم هاجروا على أوروبا ومنهن بتركيا وأنا منهم ومنهم مفرقين بين ريف حلب الشمالي وادلب تشردنا بنتمنى ترجع حلب المحررة وكل المدن يلي تعرض أبنائها للتهجير القسري  

No tags

أريحا..ليلة سقوط المبنى

بينما كان الطّيران يحوم فوق المنطقة، هرع النّاسُ ليأخذوا الأطفال والنساء إلى القبو. كلّ امرأةٍ تمسك طفلاً أو طفلين، الضّجيج يملأ المكان، وكلمة خوف لا تختصر المشهد الذي صدّعَ القلوب خلالَ لحظات.

البناء يتألّف من ثلاثة طوابق. تلا الانفجارَ انفجارٌ آخر، ومازال الناس يركضون للنّجاةِ بأطفالهم.

لا أحد يرى شيئًا بسبب الغبارِ الكثيف الذي غطّى المكان.  تكاد الرّؤوس تنفجر من الدّويّ، وأصوات النساء. كلُّ شخصٍ ينادي على أولاده بأسمائهم لعلّه يسمع أصواتهم، فيهدأ قلبه قليلاً. بينما صراخ اﻷطفالِ يزدادُ كأنّهم ينادون أيَّ أحدٍ يعرفونه، حتّى لو كان جارهم؛ ليشعروا أنّه معهم وسيحميهم.

دخل الرّجال بعد فترة، ليبحثوا عن أولادهم ونسائهم بين الغبار القاتل، ثمّ يهربوا بهم إلى أقرب مكانٍ يبعد عن الطّيران الهمجي الذي لا يرحم. وقف  خالد ينادي زوجته نوال : “نوال، ألا تسمعينني؟ ”  سمعت صوته. نعم، إنّه زوجها. لكنّها لم تعرفه.  وقد كانت تناديه أيضاً كي تجده وقد أخفى الترابُ ملامح وجهه، وشعرَه، وثيابه. في الوقت ذاته كانت تبحث عن حجابها.

يا لهول المنظر! كأنَّ أحدهم مزّق ثيابها، أو أنّهم بُعِثوا من القبور.

قالت له  مذعورةً بلهفةٍ وخوف:  ” خالد أين أنت؟ ”

نادى بأعلى صوته:  “نوال أنا هنا. ألم تعرفيني ؟ اُنظري إليَّ. لا تخافي. أنا خالد. أين الأولاد؟ ”

انهارت من البكاء. بحثت عن أيّ شيءٍ تضعه على رأسها. نادت على أولادها، ثمَّ حملوهم وخرجوا بسرعةٍ و هي تقول:  “أين أسماء؟ ”

أسماء ابنتهم الكبيرة البالغة من العمر ثماني سنوات. لا يسمعون صوتها في هذا الزّحام.

قال لها خالد:  “لعلّها مع بيت عمّها”

خرجوا مسرعين، وهم ينادون عليها. لكنّ أسماء لم تسمعهم، والوضع لا يحتمل الانتظار.

خرجوا من البلد كالكثير من النّاس، لا يعرفون إلى أين يسيرون، باتّجاه القرى القريبة منهم، لعلّهم يجدون السّلام حتّى الصّباح، وينجون بأنفسهم.

تفرّق النّاس في كلّ الاتّجاهات. هرباً من الموت. لا يُسمَع إلّا وقْع اﻷقدامِ المسرعةِ، المتعثّرة. إلى أن وصلوا إلى قريةٍ اختبؤوا فيها. كانت القرية مشرّعةً أبوابها، فأهلها أيضاً لم يسلموا من الطيران الهمجي الذي حصد الكثير من الشهداء، والجرحى منذ أيّامٍ قليلة .

لم ترَ أعين الهاربين النّوم، لأنَّ قلوبهم وعقولهم مشغولة بمصير الأهل والجيران طيلة اللّيل.

في الصّباح، وبعد هدوءِ الطّيران. تركوا أولادهم عند أهل القرية، وعادوا ليبحثوا عن أقاربهم وجيرانهم. كما عاد خالد ونوال لربّما يجدان ابنتهم عند بيت عمّها.

عندما وصلوا إلى المكان كان النّاس مجتمعين حولَ البناء المدمّر على اﻷرض، كأنّه بسكويتٌ مصفوف فوق بعضه.

أين النّاس؟ أين اﻷهل؟ الجميع يبحثون بلهفةٍ وخوفٍ من صدمةٍ باتت متوقّعة كثيراً.

أخبروا الطّوارئ. لكن لم يحضر أحد، فالبلاد كلّها تتعرّضُ للقصف بالطّيران، وجميع المناطق بحاجة مسعفين.

أخذوا يرفعون الرّكام بأيديهم، وبالمعدّات المتواضعة التي بحوزتهم. كما كانوا يسمعون أصواتاً، أو يُخيَّل إليهم أنَّهم يسمعون أنيناً.

وجد خالد إخوته، وزوجة أخيه، وأولاد أخيه الاثنين تحت الأنقاض.  لم يستطيعوا الهرب، فسرعة الانفجار غلبتهم. أخبر الجيرانُ خالداً أنَّ أخاه الثّالث أُسْعِف إلى المشفى بعد أن كُسِرَ ظهرُه.

تابع كغيره البحث. لعلّه يعرف إحدى الجثث. بحثَ طويلاً، ونادى هو وزوجته على أسماء طويلاً، لربّما تكون على قيد الحياة تحت اﻷنقاض. استمرَّ بحثهم لأكثر من ثلاثة أيّامٍ دون فائدة.  كلَّ يوم يعودون إلى القرية بخيبة أملٍ.

منهم من يقول لهم وجدتها وسألتها عن اسمها، ورأيتهم يسعفونها إلى المشفى.  ومنهم من قال رأيتها مع جماعة من القرى المجاورة. كانت رجلها مكسورة. ومع كلّ خبر يهرع خالد ونوال إلى المكان المذكور لكن دائماً تعود نوال خائبةً إلى أولادها، بحرقة قلبٍ كادت تفقدها عقلها.

أين هي؟ مع من ذهبت؟ من وجدها في هذا الظلام؟ أين أخذوها؟

وضعوا خبرًا عنها وعن مواصفاتها في كلّ مكان. كان يأتيهم في اليوم الواحد أكثر من اتّصال.

مرَّ ٢٣ يوماً على غياب أسماء. مضى خلالها الوقتُ ثقيلاً و طويلاً في حياةِ نوال وخالد.

وفي يومٍ اشتدّ ألم الأضراس على نوال.  أخذها خالد إلى أقربِ مستوصفٍ. ليعطوها دواءً يُخفّفُ من ألمها قليلاً.

عادت إلى البيت الذي أوت إليه هي وزوجها وأولادها.

في الصّباح. ذهب خالد دون أن تشعر به نوال، فقد أنهكها السّهر و اﻷلم.  خالد تقصَّد أن لا يأخذها معه للبحث عن ابنتهم شفقةً عليها. حتى لا تُصدَم من جديد.

وجد الطّوارئ قد حضرت أخيراً. رفعوا الرّكام، ووجدوا الجثث من جديد، حتى وصلوا إلى بيت الدّرج المحطّمِ.

هذا المكان الذي لم يبحث فيه. رفع الحجارة والتراب الكثير مع رجالِ الطّوارئ، فوجد ابنته أسماء. عرفها من ثيابها، ولكن ليس لها ملامح تُعرَف، فهي ميتة تحت الدّرج، وتحت كلّ هذا الكمّ من الرّكام.

تخيّلَ خالدٌ ما حدث لأسماء التي كانت لحقت بأمّها وإخوتها مع النّاس المتزاحمة إلى القبو.

وصلوا هم لداخل القبو، أمّا هي سبقها الانفجار، وسقط بيت الدّرج عليها. أدركها الموت قبل أن تلحق بأمّها وإخوتها.

حاول انتشالها بصعوبةٍ. أهذه هي أسماء؟ نعم. هي، ولكنّها ميتة.

يا الله! كانت ضحكتها تملأ البيت، وصوتها يرنّ في أذنيه: “أبي، أبي كتبت جيّداً في الامتحان”

فرحتها تملأُ البيت، وضحكتها المميزة لها وقعٌ في قلبِ أمّها وأبيها، وكلّ من يراها، فهي جذّابة، محبّبة للقلب.

ماذا سيقول لأمّها عندما سيعود. هل سيقول لها أنّه وجدها جثّةً مثل أخيه وزوجته، وأولاده؟

حتى أخوه الذي كسر ظهره لا يعلم أهو على قيد الحياة أم مات.

ما أقسى الحرب وأمرّها! عاد إلى زوجته بعد أن دفنَ ابنته، وقد جفّت دموعه.

دخل إلى البيت. هرعت إليه نوال: “هل وجدتها؟ ، أخبروني الآن أنّهم رأوها مع جماعةٍ يحملونها ليسعفوها في القرية المجاورة، كانت تعاني من جروحٍ بسيطة ”

أجابها بصوتٍ خافتٍ بالكاد يُسمع:  “لا تصدّقي أحدًا. كلّهم كاذبون”

قاطعته بلهفةٍ مريرة: “دعنا نذهب، ربّما تكون هناك”

أمسك بيدها وأجلسها: “اهدئي. أمر الله وقع. وجدتها تحت الدّرج  ميتةً. لا تصدّقي كلّ هذه الاكاذيب! ”

صمتت بحرقة. هي لا  تريد أن تصدّق. تريد أن تبقى على أملِ أن ترى ابنتها في لحظة ما، ثمّ انفجرت باكيةً، وصرخت:  ” أبمشاعرنا يعبثون؟ لماذا يكذبون علينا؟ كيف استطاعوا؟ أليس لديهم أطفال؟  ألهذا الحدّ أصبح العالم بشعاً وقاسياً؟ جعلونا نبحث في كلّ مكانٍ تقريباً دون أمل،  وهي موجودة تحت الدّرج!

يالهم من قساة القلب! آه يا أسماء يا حبيبتي. إنّه أمرُ الله.

_”لسنا نحن المقهورين فقط. الكثيرون فقدوا أولادهم ، اطلبي لها الرّحمة”  نحن نعلم أين هي الآن. لن ننساها أبداً.  أعاننا الله على فراقها وفراق كلّ الأحبّة الذين فقدناهم.

بكى عليها إخوتها الصّغار كثيراً. ما أقسى الموت! وما أصعب الفراق! مازالت صورة أسماء تتوسط الحائط في كل غرفة من البيت، بعد أن استقرّوا مبدئيّاً في قريةٍ بعيدة. علمت نوال أنَّ إخوتها وزوجاتهم هم أيضاً رحلوا تلك اللّيلة. وبعد حين أصبحوا يتواصلون مع بعضهم ويقصّون لبعضهم عن تلك الليلة المشؤومة. وكيف كان كلٌّ منهم يهرع إلى الجبال ولا يدري أنَّ أخته، أو أخاه يسكن بالقرب منه.

هذه اللّيلة كالكثير من اللّيالي التي مرّت على “أريحا” الحبيبة.

فكم من القلوب، وكم من العيون بكت على أحبّة فُقِدوا، وعلى وطنٍ هُجّروا منه، إلى مصيرٍ لم يخططوا له، ولا يعلمون إلى أين يأخذهم القدر.

No tags

كالمُستَجيرِ مِنَ رمضاءِ الحرب بنار اللجوء

وضعتُ في حقيبتينِ صغيرتين كُلَّ ما يمكنني حمله بمفردي، وحدي، في طريقٍ طويل، سافرتُ ابنة 21عامًا. مخلّفة ورائي شهادتي الجامعيّة. هربًا من التّهديدِ الذي تعرّضتُ له من قبلِ ضابطٍ في الجيش النّظامي. كان يُرسلُ عيونه الآثمة؛ لتتلصّصَ عليَّ ،وتحاول اكتشاف المكان الذي يختبئ فيه أخي المنشقّ.

كان بوسعي المقاومة، والاستمرار في محاولات الثّبات أمامَ كلّ ما يمكن أن أتعرّض له، لكن لم تكن الحياةُ سهلةً أبداً في دمشق، حاولْتُ اللّجوء إلى قوّة الإرادة، لكنّ الأبواب كانت محكمة الإغلاق، فمن المحالِ البقاء دون عمل، على فتاتِ ما يرسله الأهل من لبنان كي أحاول إتمام دراستي، عدا عن خلوّ العائلة من الرّجال الذين كانوا يحملون الأعباء الكثيرة التي أضيفت إلى مسؤوليّات النّساء في تلك الآونة.

كان عليَّ النّجاة من التّهديدات، ومن ملاحقاتِ الفرق الشّعبيّة التي احتلّت مداخل منطقة القدم، ومخارجها، بعد فشلي في اللّجوء إلى صحنايا، التي لم أستطع النّوم فيها يومًا واحدًا دون بكاءٍ مع كلّ صاروخٍ يمرّ عبرها ليقتل أهالي داريّا.

في الطّريقِ إلى لبنان، كنت أعيدُ في رأسي كلامَ أبي على الهاتف عندما أخبرته بقراري في قطع دراستي والسّفر إليهم: ” هون الوضع صعب، ونحن قاعدين بمستودع، متل كتير من السّوريين، قدرانة تتحمّلي هاد الوضع، تعالي، مو قدرانة، كملي دراستك وضلي هنيك؟ ”

  • ” كل شي أهون من اللّي ممكن يصير معي بهاد المكان “

كان يستردّني الخوف من تفكيري فيما يمكن أن أواجهه في لبنان، الخوف من الاعتقال على الحدود لأسبابٍ كثيرة، قلتُ للمرأةِ التي بجانبي: ” إذا صار عليّي شي، خدي الأغراض بس هاد الرّقم لأبي وصليلو الأوراق الموجودة بالشنتة، أنا مخبيتها تحت البطانة ومشبكتها”

كانت ترمقني بين الفينةِ و الأخرى بنظراتٍ متوجّسة، قلقة، شعرتُ بأنّي قد حمّلتها عبئًا ثقيلًا، شعرت بالمسؤوليّة تجاهي دون أن تعرفني، وخاصّة أنّ الكثير ممّن كانوا معنا في الباص تمّ اعتقالهم حينها.

عند وصولي إلى لبنان، ألقيتُ المحفظتينِ في يديّ أخي الذي كان ما يزال طفلاً حينها، ومشيتُ في حيّ يسكنه السّوريون من كافّة المناطق، تسلّلت رائحة البؤس مباشرةً إليَّ، وعربشت كداليةٍ على عظامِ قفصي الصّدري. أثملتني المشاهد، وأحاطتني عيون الثّكالى من كلّ الجهات. كانوا يمدّون رؤوسهم من النّوافذ، ومن أبوابِ المستودعات كأّنّ رائحة الأرض الحبيبة استفزّت أنوفهم التي لم تعتد عبق الأماكن الجديدة بعد. لأدرك منذ اللّحظة الأولى أنّني وقعتُ في فخّ النّجاة، وأنّي لا أملك خياراً آخرَ سوى أن أصير جزءاً من هذه الجموع الكثيرة التي تراكمت بأوجاعها وفقرها وبؤسها لتشكّل جبلاً يصعب لأيّ عينٍ أن تتجاوزه دون أن تصطدم بحكايةٍ مؤلمة، تستفزّ دمعها.

أدركتُ أنّني خسرتُ دراستي، ودمشق، وجلستُ في زاويةِ المستودع الذي وقفت طويلاً أمام بابه الحديديّ. أتأمّل كميّة الصّدأ التي ستغزوني مع الوقت في هذا المكان، ومع كلّ حكايةٍ سأسمعها من الجيران الذين دخلوا دائرة اهتمامي مباشرةً.

وفي هذه الآونة، وبعد مرور سنواتٍ من الشّقاء في هذا البلد المتعب، جلستُ أمام التّلفاز أستمع باهتمامٍ بالغ وبإنصاتٍ غريبٍ عن شخصيّتي للسّياسيّين والنّواب الذين يتداولون مسألة الوجود السّوري على الأراضي اللّبنانيّة، فأشعرُ أنّنا صنم قومِ إبراهيم الذي وُضِعَ الفأسُ على عُنقه وهو لم يفعل شيئاً، لأنّه مكبّل الحركة.

كيفَ لي وأنا الغريبُ بكلّ ما أوتيتُ من لغتي بملامحَ تصرخُ : أنا من هناك ، أمشي جثّةً عاريةً حتّى من الأكفان على قدمَين منهكتين هرباً وتعباً أن أحظى بحقّي في اللّجوء إلى أرضٍ لا أحملُ جنسيّتها!! هذا ما أدركتُه حينَ تمسّكتُ بطرفِ ثوبٍ لبلدٍ متشظٍّ من شمالهِ حتّى جنوبه بسبب السّياسيين ، كنتُ كمن استجارَ من رمضاءِ الحربِ بنارِ البائس ، فما ذنبنا لنموتَ مرّتين ؟ ثمّ نصبح حجارة الشطرنج التي يتسلّى بها السيّاسيّون؟

اليوم، وفي هذه اللّحظة بالذات تحوم في رأسي صدى الحكايات، التي عشتها وسمعتها من أصحابها وعنهم، قصص الهرب من الموت.

كيف لهؤلاء الذين فقدوا منازلهم، وأراضيهم، وأمانهم أن يعودوا إلى المكان الذي خسروا فيه الولد والزوج والبيت والأمان والحريّة؟ وما زال إلى الآن تحت سلطة الأسد الذي كان السبب في هجرة كلّ هؤلاء الذين يتلاعب السياسيون بمصائرهم.

كيف يمكنني العودة إلى مكان لا أستطيعُ فيه وضع صورةٍ لرمزٍ ثوري؟ أو الحديث عن فكرتي بصوتٍ عالٍ دون الخوف من قيدٍ أو قبر؟

في ظلّ كلّ هذا الشّقاء الذي يعيشه السوريون في لبنان، تأتي فكرة العودة الطّوعية كقشةٍ قسمت ظهورنا جميعًا لأنّنا نعلم أنّ هذا الحصار هو لترسيخ فكرة العودة لدى المستضعفين الذين سقطت خيامهم، ومصدر عيشهم، وفرصهم في العيش بعيدًا عن نار الحرب وويلاتها.

الآن أفكّر بما سأحمله إن أُجبرْتُ على العودة إلى سوريا، ماذا سأضع في حقيبتين صغيرتين؟ قصص المهجّرين؟ التّعب الذي عشته؟ السنوات التي ذهبت من عمري هباءً وأنا أطرق أبواب النجاة بفكرتي وجسدي وحرّيتي؟

أحمل احتمالاتٍ مخيفة لأخي الذي أصبح شابّاً الآن، أتخيّله معتقلاً أو مجبراً على الانضمام للجيش.

كيف يريدون لمن كوته نار الحرب وآثارها أن يؤمن بحلولٍ لا تتجاوز أن تكون تصوّراً قاصراً عن الأوضاع الحقيقيّة في البلاد، والتي تصلنا من أهالينا الذين مازالوا يعانون من الخوف والفقر والاعتقال في ظلّ هذا النّظام المستبد؟

No tags

مشرّدون. أجسادنا في مكان، وقلوبنا في مكان آخر، لا تراه الشّمس.

منذ عدّة أيّام، وبالصّدفة البحتة. أعددت تقريراً عن المصطلحات التي عَرَّفَتْنا عليها الحرب في سوريا، والتي التصقت بنا قسراً، ورغماً عنّا.
فلاجئٌ، أو نازحٌ، أو مهجَّرٌ، أو معتقل وغيرها. لا فرق بينها. جميعها مصطلحات وُصِفْنا بها كسوريين.
واليوم أصبح لقبي، أو صفتي:  نازحة! بعد ثماني سنوات من حربٍ مريرة.
فالبرميل، والصّاروخ، والعنقودي، والفوسفوري، وكلُّ شيء يستخدمه الأسد، والروس يقتلنا بواسطته.
هو فعلاً كلّ يومٍ يقتلنا حتّى لو لم يُصِبْنا، أو يقربنا. نحن نُقْتَلُ كلّ يوم، بواسطة خبر سيّئ، أو نزوحٍ جبري، أو صورةٍ لحيّنا المهدّم، نُقتَل بالتّشرد الذي يعيشه مئات السكان في ريف إدلب الجنوبي، يقتلنا فراق كلّ شيءٍ عشنا معه ذكرى.
نحن فعلاً نقتل…
أن تترك منزلك، حيّك، مدينتك، وأحباءَك قصّةٌ سوداء اللّون، مُرّة الطّعم بنهايةٍ تراجيديّة. إنّه شعورٌ مريرٌ جدّاً !
منذ يومين، ذكّرني “face book” بمنشورٍ لي من سنة. كنت حينها في مدينة سراقب بريف إدلب.  وقبلها بسنة كنت في تركيا، وقبلها بسنتين كنت في مدينة الطّبقة شرقي سوريا. تعدّدتِ الأسبابُ، وكنت أتنقل كثيراً بفعل الحرب، لكن بقرارٍ منّي.
وأتساءل:  بعد سنة هل سأكون على قيد الحياة؟!  وعندما يُذَكّرني “face book” مجدّداً بذكرى ما أين سأكون؟ فلم نستطع حتى تاريخ اليوم أن نستقر ونكون كأيّ بشرٍ طبيعيّين.
كلّ ليلةٍ أقول في نفسي: سأكتب، يجب ألّا أتوقّف عن الكتابة، وأنقل كلّ حادثةٍ وواقع. لكنّني في بعض الأحيان أجد نفسي عاجزة.
الحمد لله أنا حيّة، وبصحّةٍ جيّدة، وأتابع عملي، ولي منزلٌ يأويني، وطعام يشبعني، وأستطيع النوم، ولكنّني تركت قلبي في مكان آخر، أخشى ألا أراه ثانية.

انتبه يا صغيري.. إنه النابالم!

أنا بشرى العلي مرافقة أطفال في مركز “النساء الآن” في سراقب.
أم لأربعة أولاد. السنة الماضية تعرض بيتنا للقصف بالنابالم الحارق. بعد ما رجعت من دوامي، وأنا عم حضّر الغدا.
كنت جايبة فواكه للأولاد. ابني الصغير قلّي:  “ماما  اعطيني تفاحة” قلتله: “ماما بعد الغدا بتاخد” .
بعد خمس دقايق ضرب الصاروخ، وشعلت النار بكل البيت، وتسكرت الأبواب علينا لأن الجدار وقع عالباب ، وأغلقه .
ابني الصغير كان عم يلعب بألعابه جنبي بالغرفة.
ما استوعب الحدث. فجأة صار عتمة، والنّار بكل مكان. فصرخ بشكل جنوني:  “يا ماما نار، يا ماما نار”
أنا ما شفته من الدّخان، والغبار، وضغط الصاروخ عمل عندي خلل توازن. لكن صوت ابني كان أصعب من الصاروخ لأنّي صرت أتخيل النار شاعلة فيه، وأنا مو قدرانة لاقيه.
فجأة  قلب “دابو الصوبة” وشعلت النّار بقوّة،  فشفت ابني، ركضت عليه، وحملته،  ودورت  عالباب حتى لقيته مسكر بحجار.
نزلت لتحت ودفعت الحجر. للحظة كان رح يغمى علي من المواد الحارقة، والدخان اللي بطالعه النابالم.
حسيت بالعجز وكنت رح استسلم للإغماء، لوقت مارجع ابني يصرخ: “يالله مالنا غيرك”.  فاستجمعت قوتي وقلتله:  “لاتخاف ماما، أنا معك وربنا معنا، ما بضرنا إن شاء الله”
قدرت افتح أوّل باب،  الباب الخارجي كانت بنتي  عم تحاول تفتحه، وهون وصلوا رجال الدفاع المدني  وفتحوا الباب، وطالعونا.
ابني أصيب ببعض الحروق، وأنا أصبت.
كان كتفي مخلوع،  ومع هيك ما استسلمت، وحملت ابني بإيدي المصابة، ورفعت الحجار كمان بإيدي المصابة.
ومن وقتها لهلأ ابني بخاف كتير من العتمة، وبخاف يضل لحاله، ولما بتجي الطيارة بصير يصرخ ع إخوته ليلمهم كلهم جنبه، وما يهدا حتّى الكل يكونو حواليه.  وقتها بصير يدعي:  “يالطيف”
وكل ما جبنا فواكه  عالبيت بيتذكر الحادثة وبقول: “خليني آكل منهن لأنه بجوز موت وما دوقن”
صار عنده عصبية زائدة بعد الحادث، أنا بحاول دائمًا طمنه انه الله حامينا والله رح ينقذنا متل المرة الماضية.  وبحاول أعمله أنشطة تفريغية.
أكتر شي بحبه الرسم، وكمان بستخدم البالونات أغلب الأوقات لمّا يجتمع مع أولاد خالته.
الألوان بتخليه يرتاح، ونفخ البالون بساعده على تفريغ بعض الضغط اللّي متملكه.
ابني الأكبر عمره “١٢ سنة”  حاسس بالمسؤولية، وحامل الهم، كونه زوجي معتقل.
من فترة صار يشتغل حتّى يساعدني بمصروف البيت، و بعتمد عليه كتير بطلبات البيت.
ابني هاد ما كان يعرف الخوف جريء كتير . بس شهد أكتر من ضربة طيارة بالمكان اللّي هو فيه.  ويشوف مناظر الدّم والأشلاء والناس اللي عم تتوجع.
حاليًّا كل ما بسوء الوضع بصير يترجاني طالعهن على مكان آمن، حلمه يطلع أبوه ويكون سنده بهيك أوقات بقلي: “لو بابا موجود ما كان صار فينا هيك

تساؤلات “مشروع مُهجَرة” في إدلب

اليوم الثّالث من شهر رمضان 8/5/2019. استيقظت ظهراً على خبر سيطرة قوّات الأسد على بلدة “كفرنبودة” في ريف حماه، بعد أن كانت تحت سيطرة الفصائل العسكريّة، وبعد هَدْمِها بشكل ٍ دمويّ جوّاً، وبرّاً بكافّة أنواع الأسلحة الخفيفة، والثقيلة من قبل قوات الأسد، والرّوس.
ساعاتٌ قليلة، ومقاطع الفيديو المنتشرة من “كفرنبودة” تُبكينا، الرّوسُ يتفاخرون بالسّيطرة عليها. أنا لم أبكِ، ولكن تساءلت كيف لِجُنديّ روسيّ أن يلفظ “كفرنبودة” بهذا الشّكل الصّحيح. كم تباحثوا بأمرها، وأمر غيرها من مدن، وبلدات مُحافظَتَي إدلب، وحماه!
في هذا اليوم، “29” منطقةً في ريف محافظة إدلب. تعرّضت للقصف حتى هذه اللّحظة، والجميع يصرّح: نظامُ الأسد يصرّح، الرّوس، إيران، تركيا، لافروف، والفصائل العسكرية، بينما نحن نبني جبالاً من التّساؤلات، والعجز.
هذا اليوم. وجوهنا لبست صيغة الاستفهام الصّريح، جميعنا يسأل الجميع: “ماذا سنفعل؟” ، “ماذا لو تحرّكت قوّات الأسد، والرّوس نحونا؟”
هي مسألةُ أيّامٍ، ولربّما كانت ساعات. هل سيكون لدينا الوقت لتوضيب حقائبنا؟ هل سنجد مكاناً يأوينا؟ كيف ستكون ساعة الوداع الأخيرة إن وصلنا إليها؟ مُهَجَّرين على مهلٍ أم على غفلة؟
“سلام” إنسانةٌ مميّزةٌ في حياتي، نجلس اليوم سويّاً على سريرها، ونتجاذب أطراف الحديث من كلّ جهاته حتّى نسأم، أو حتّى نصل لطريقٍ غير سالك. لو رأيتمونا لظننتُم أنّنا محلّلتان سياسيّتان مخضرمتان.            نعم، تعلّمنا الكثير خلال الحرب، إلى جانب المدرسة، والجامعة، والعمل، والحياة، تعلّمنا التّحليل. نتساءل إن نجونا هل سنجد عملاً، ونستقر حيث هُجّرنا؟ هل سنُهَجَّر أصلاً؟ سنُذبح أم سنُغتصب؟ وماذا عن أحبائنا، وذكرياتنا التي تتلاشى كلَّ ساعةٍ بصاروخٍ، أو قذيفةٍ، أو برميل. ماذا سنفعل؟!
النّاس تغادرُ أمامنا. جاهلين الخطوةَ التالية. آملين ببضعة أمتار “آمنةٍ”  وصلبة.
أتدرون أنّي قد حزنت لرحيل، أو “نزوح” جارة لي اعتدت أن أدعوها بالثّرثارة؟ نعم، حزنت لرحيلها جدّاً.  رحلَت فجرَ اليومِ الثّاني من شهر رمضان مع عائلتها.
قبل آذانِ المغرب بساعةٍ. سألتُ ممازحةً صديقاً قديماً لي. لاجئاً منذ سنتين في أوروبا عبر رسالة قصيرة:  “لماذا لا تطمئنُّ علينا؟ ألا تشاهد الأخبار؟”  فردَّ بكلمتين: ” الله يحميكن” ، وأنهى الحديث. تألّمت بشدّة لجفاء ردّه.
أيعقل أنّنا منسيّون إلى هذه الدّرجة؟ نحن السّوريون الذين اختبرنا سويّاً كافّة أنواع الألم والفقد والخسارة؟ كيف ننسى كلّ هذا فجأة؟ كيف تختفي الإنسانية، والشعور؟!
لكلّ إنسانٍ سلاحٌ خاصٌّ به، كالأسلحة النارية والكيماوية أو غيرها، أو كالتي نُقْتَل بها يوميّاً، وأنا اتّخذت من الكلمة سلاحاً محدّداً لي، ولكن ما الفائدة؟ فحتّى أكثر الأسلحة بطشاً في العالم، لن تستطيع تغيير القدر.
هذا التّاريخ الذي قُدّر لنا أن نعيشه بألم، فلماذا نحزن؟!