مرّ شهر… إنها ليست المرة الأولى التي يكون الموت فيها قريباً مني

 آذار ٢٠٢٣

مرّ شهر… إنها ليست المرة الأولى التي يكون الموت فيها قريباً مني
ما بعرف كيف أصلاً مرّ شهر، لسا حاسة كأنه ٦ شباط كان مبارح
الخوف والقلق اللي عشش جواتنا ما بعرف كيف بده يروح
كنت مفكرة إنه ما عاد في شي بيأثر فيني هيك، كنت مفكرة إنه اللي مرقنا فيه عمل عتبة الخوف والتأثر عندي كتير عالية لدرجة كنت مفكرة أني تمسحت
بس ما بعرف ليش هي الزلازل هزتني من جوا لهالدرجة
انهرت بشكل ما قدرانة افهمه وأحياناً عم لوم نفسي عليه

هي مو أول تجربة يكون الموت فيها قريب، بس صوت الأرض المرعب، صوت تشقق الحيطان، منظر الغبار والتراب والدهان عم يهر، ومشهد كيف عم تتمرجح الثريا فوق راسي كلهن ما عم يروحوا من بالي
البرد بليلتها بالشارع، الهوا والعاصفة والثلج بالأراضي
كل مرة برجع فكر إنه لولا حظنا إنه البناية كانت قوية بالصدفة، يمكن كنا تحت الأنقاض، لأنه كل شي صار بلحظات وما كنا مستوعبين شو عم يصير
كل شي تصرفناه في لحظتها كان غلط.. من وقفتنا بالممر لأنه خفنا توقع الخزاين علينا، لرجعتنا عالغرفة نجيب الجاكيتات من خوفنا من البرد، لنزلة زهير يجيب السيارة من الكراج تحت الأرض لأنه بدنا مكان نتآوى فيه
كلها لحظات عم تضل تنعاد براسي وكأنها مبارح

ما قدرانة اتخيل شو عم يحسوا اللي فقدوا أهل وولاد وأحباب.. ولا حدا فيه يواسي الناس اللي لهلأ عندها مفقودين ومفقودات ما بتعرف عايشين ولا لاء

تقيل كتير اللي عم يصير
تقيل كتير الشعور بانعدام الأمان وعدم القدرة على الاستقرار

الشي الوحيد اللي يواسي هو اللهفة والحب والدعم اللي شفناه من رفقات قراب وبعاد

بتمنى تضلوا جميعاً بخير، وما تشوفوا شر

No tags

صباح اليوم الثاني لدفن أبان..

صباح اليوم الثاني لدفن أبان..

بات موجباً أن نضع كتالوجاً للزلزال خاص بالسوريين، تحسباً لتنفس آخر للأرض يودي بمن بقي منا..

– تعلم التركية، ففرق الإنقاذ لن تصيح عليك إلا بلغتها.. يوم الردم.. فرصتك الوحيدة بالنجاة أن تفهم ما يقولون وترد بلغة المنقذ لا بلغة أمك أو ألمك.

– علم أولادك أسماء أقربائهم، الأقربون والأباعد، فإن غفلت عيناك عن الدنيا، لن ينقذهم إلا أن يتعرفوا هم على قريب ما.. وعلمهم اسمهم واسمك واسم بلدك ولماذا أتيت لهذه البلاد وازرعها في قلوبهم.. حين تموت سيأخذونهم ويمحون كل ما علمتهم إياه.. بذرائع قانونية شتى..

– لا تشتري فرشاً وأدوات كثيرة لبيتك، عند الردم، سيذهب كل شي، وسيتعرفون على أنقاض بيتك من قميص أهدتك إياه أمك أو أكلة تحبها بقيت سليمة في المطبخ.

– تصور طوال الوقت، وانثر صورك في زوايا بيتك، على الأرض والجدران بين الملابس.. عند الزلزال، يتسارع المنقذون لجمع الصور وتركها على الأرصفة وسيركض الأهالي ليروا كل صورة لعلهم يستدلون بها على مكان بيتك بعد الانزياح والردم.

– اشتري كلباً وقطة، يحب موظفو فرق الإنقاذ القطط والكلاب أكثر من البشر.. إن وجدوها تحت الأنقاض.. سيتركون كل الشي لإخراجها وتصويرها ونشرها كدليل على عملهم الجاد وإنسانيتهم.. لربما ستنقذك قطتك أو كلبك…. فالتصق بالكلب أو القطة ما استطعت.. قد يكونوا سبباً لإنقاذك. سيجلسون على الأنقاض التي تحتضن جثمانك ولن يبرحوا.. الكلاب أكثر إخلاصاً من كثير من البشر.

– إن التقيت شاباً اسمه أديب يوسف من عين الفيجة ابن شهيد وابن أخ شهيد أو يحيى السيدة أخ لشهيد من اللاذقية، أو أحمد اسطنبولي فاقد ل ٤٠ من عائلته من ادلب، أو ياسين السعدو أو عبود حمام من الرقة.. اطمئن.. هؤلاء رجال الله على الأرض أُرسلوا ليقفوا بجانب وحدتك، ليزيلوا الأنقاض عن أحبابك ويركضون عند خروج كل جثمان يطلبون صورة فقيدك ليقارنوا الصورة بالجثامين.. وسيذهبون معك للدفن وسيبكون أكثر منك.. سيبكون فقيدك / فقيدهم.. سيحملون وألمك.. وسيكونون سندك وعزوتك دون طلب.. في كل مصيبة تهبط عليك، ستجد هؤلاء ومن يشبهونهم يحيطون بك.. في كل مصيبة ستجد يحيى وأحمد وعبود وياسين آخرين.. لا تقلق لن تكون وحدك أبداً..

– حاول أن تلبس ملابس لائقة عند النوم، وأحمِ وجهك.. إن خرجت حياً.. سيتسابق المنقذون ليتصورون معك وينسبون فضل حياتك لجهودهم.. وإن خرجت ميتاً لن يلتفت إليك أحد.. موتك ليس موضع تباهي.. في الحالتين حافظ على وجهك رفقاً بأمك حين تراك في وداعك الأخير..

– إن سمعت وأنت تحت الأنقاض شجاراً بلغات مختلفة، أعلم أنك لن تُنقذ.. هذا خلاف بين فرق الإنقاذ المحلية والأجنبية حول آليات العمل.. غالباً ستنسحب الفرق الأجنبية بعده ويترك المحليون العمل غاضبين ليشربوا الشاي والسجائر حتى تموت..

– سيسخر الله لك مواطنين أتراك يغفرون لكل من خيبك، يركضون من مكان لمكان بحثاً عن فقيدك، سيتشاجرون مع فرق الإنقاذ أكثر منك.. سيرافقونك في رحلة الأمل والفقد.. إذا رأيت محامية وجهها نور وقلبها نور.. اعلم أنك كريم ميتاً أو حياً.. وأنك بين يدي امرأة عظيمة أمينة ورجل لا وجود لمثله.

– لا تعول على الأقرباء فقط، إن كان لديك صديقة ك صبا مدور، لن تنام حتى يجدوا جثمانك.. اعلم أن في بلدك نساء تعادل الرجال وتفوقهم لهفة وحرصاً ومحبة.. ليس هناك الكثير من صبا لكن.. إن أسعفك القدر وصادفتها.. ستعوضك عن العشيرة والبلد

في الصورة: صور جيران أبان على السيارات / وكلب باسط ذراعيه على ما تبقى من وصيد/ أبان قبل يوم من الزلزال الكاشف.

No tags

قصتي مع الزلزال

بيتنا على سفح الجبل وكان دائما أي هجوم يصير عالمدينة منشعر بيتنا مستهدف… وسابقاً اتعرض للقصف مرتين.

بليلة يوم الاثنين غفيت الساعة ٣ ليلاً أول نومتي نايمة معي بنت أخي، بلشت الهزة خفيفة، بعدها صارت تقوى وأنا بالي عند بنت أخي ما تحس وترتعب من المشهد، صارت بعدها تهز بشكل مخيف وأنا لسا ما اتحركت من مكاني عم فسّر شو هاد، صرت أشوف خزانتي وطاولتي يجو لعندي والشباك انفتح والأرض عم تطالع صوت مرعب، بلشت أحكي مع حالي “معقول يوم القيامة” قمت فزعت بشكل هستيري على غرفة أختي قلتها “شو هاد؟”. هي بحالة سُبات ما قدرانة تحكي، طلعت باتجاه غرفة أبي عم يكبر ويقول “الله أكبر” رجعت على غرفتي اتذكرت بنت أخي جبتها معي ومسكت الموبايل والبيت عم يرج رج ويروح ويجي صار غبرة كتير حسينا البيت عم يتفكك من الصوت، هون نزلوا أخوتي الشباب عم يقولوا يا ربي شو هالصاروخ الارتجاجي ما بقي يخلص بثانية، أبي صار يصرخ ويقول البسو واطلعو هاد زلزال ونحنا جامدين ووجوهنا شاحبة والخوف لابسنا ومش مستوعبين يلي عم يصير وكل هل الشي ب ٧٠ ثانية.

بهي الليلة مستحيل تغيب عن ذاكرتنا، أنعشت كتير ذكريات، منها القصف المرعب، أنعشت الخوف البارد بعيوننا، أنعشت لحظة موت أختي وعيلتها الكاملة.

صرت كل ما أشوف حدا من رفقاتي من الاشخاص يلي بعرفهن خبره وأطلب منهن.م يحكوا ويوصفوا لحظات يلي عاشوها وقت الزلزال. عم جمّع قصص يلي عم عم تتقاطع بمشاعر وأحاسيس متل يلي عشتها وحسيت فيها. 

صورتين لهما قيمة كبيرة عندي، الأولى وقت حصول كارثة الزلزال صورة دمار بيتنا بـ 2016 من قبل القوات الروسية وقوات نظام الأسد. ما فارقت ذاكرتي ولا حتى بلحظات الزلزال وأن أتخيل أن البيت سيصبح هكذا في دماره في وقت صوت تفكك وتصدع الجدران وصوت الأرض المخيف. والصورة الثانية لأشيائي الخاصة التي تكسرت. أشعر بالحنين إليها لأنها هدايا من الناس الذين أحبهم كنت قد وضعتهم على طاولة. لم يبقى شيئ من طاولتي إلا وانكسر…

إليكم صورة بيتنا المدمر 2016، وأشيائي الجميلة التي انكسرت بظل كارثة زلزال 6 شباط.

No tags

كان الزلزال في داخلي أعمق

كان الزلزال في داخلي أعمق

هذا الجرح عمييييق يا الله لا شيء يرممه….

منذ وقوع الزلزال وحتى هذه اللحظة، لستُ قادرة على التعامل مع الأمور على طبيعتها…

كل شيء وكل تفصيل بات بالنسبة لي غير طبيعيّ…

أن نضحك مثلاً… أن نحمل كاميراتنا لنستقبل وفد تأخر جداً حتى استجاب لصرخاتنا …

أن نتزاحم على منحة هنا أو مساعدة هناك …

أن نهاجم فلان لأنه جمع ملايين الدولارات …

أن أشعر بالرغبة تجاه أمر معين مثلاً … لا رغبة عندي لشيء

كل شيء انطفأ…

أنا لا أكف عن مشاهدة الفيديوهات والقصص القادمة من تلك البلاد الظالمة …

غريبة أنا …

حزنت على أهلي السوريين شمال سوريا مرة وعلى أهلي السوريين في تركيا مليون مرة…

أتدرون لماذا ؟؟؟

لأننا في سوريا ورغم كبر مصابنا إلا أننا حملنا بعضنا بعضاً وحفرنا بأظافرنا. لم يمنعنا أحد من الحفر حتى بنواجذنا لإخراج العالقين تحت الأنقاض .. أما في تركيا كان الأمر يحتاج للكثير من الموافقات ليسمحوا لنا بإخراج العالقين والعالقات تحت الأنقاض ولم يسمحوا حتى مات السوريون جملة في مرعش وأنطاكيا …نشعر أنهم شركاء في قتلنا !!!

هذا الجرح عميق يا الله يصعب اندماله ….

إنه اليوم العاشر على التوالي وأنا لا أستطيع النوم…صور الأطفال وكلماتهن أحرقتني يا الله …أنا رماد

كلما لمست يد طفلي وكلما احتضنت طفلتي زادت شدة الاشتعال في قلبي…

أنا لا أعرف كيف يمكن للأم أن تعيش بعد أن تفارق أطفالها أو كيف يمكن لطفل أن يستمر بعيداً عن عائلته بل محروم منها إلى الأبد،هذه المعادلة تقتلني يا الله …

والذي يقتلني أكثر أولئك الأطفال الذين تم اختطافهم في تركيا بعد الزلزال ونحن الذين نحسبهم في دولة لها جيشها وأمنها…

كيف يمكن للإنسان أن يعيش مع كل هذا الألم …

أنا لا أعتقد أن جلسات للدعم النفسي أو حتى أي شيء في العالم يمكن أن يصلح ما فعلته بنا هذه الحياة …

ارح هذا القلب يارب

No tags

في العودة الى عنتاب بعد الزلزال

في العودة الى عنتاب بعد الزلزال

 

عدنا أول البارحة إلى غازي عنتاب، ليس لأنها باتت آمنة ولا لأن الحياة عادت فيها، بل لأني أريد للصدمة أن تنتهي فقد غادرناها بعد الزلزال بيومين لأستقبل مكاناً لا أود الحديث عنه في الوقت الحالي.

استقبلتنا عنتاب القاسية التي لم تريني وجهها الحاني يوماً بانقطاع التدفئة والماء في منزلنا مما يجعل المبيت لأم لم يمض على ولادتها ثلاثة أسابيع مع طفلة بسنة وثلاثة أشهر أمراً صعباً.

قررنا المبيت في منزل صديق كريم لم ينتظرني لأطلب منه حلاً بل أرسل لي فوراً عنوان المنزل وصاحب المفتاح.

وصلنا بيت صديقنا وضغطنا على مفتاح تشغيل المكيف، وضع الحار أعطانا لوناً أحمر على جهاز التحكم، جلسنا لمدة طويلة بانتظار أن ندفأ، ثم فقدنا الأمل فنمنا، كان البرد قد تغلغل في المنزل فنال منه ومنا.

كان منزلاً دافئاً يحمل طاقة حب وأمان كبيرين فلم نجد بداً من أن نستسلم للراحة النفسية فيه ولتوصيات أصحابه أن نكون مرتاحين وبخير.

تعود ليلاً الهزات الارتدادية لتوقظني، وجوع طفلي يوقظني، أفكاري أيضاً توقظني فأبكي كثيراً، كان يجب أن أبكي عندما خفت أن يصيب طفليّ مكروه ولكنني لم أجد الوقت لذلك.

مشاعري ملتهبة، بكاء طفل ونعوات منتشرة وكلمات أب مكلوم أو حتى مجرد تخيل أسوأ السيناريوهات تقتلني، تتردد على مسامعي جملة: “ماذا لو كنا مكانهم؟!”

بكيت البارحة كثيراً، لم أمنع نفسي فأنا أعرف أن بكائي هذا طال تأجيله، طفل بعمر بلال ابني أخرجوه من تحت الأنقاض، طفلة رأيت بعينيها ابنتي التقت بوالدها في مخفر الشرطة، أبكي كثيراً كلما تذكرت ما جرى، مشاعري ملتهبة ولم يطفئها ثلج الشارع ولا المطر المنهمر وقتها، تمرض ابنتي ويلتهب حلقها وأنا أفكر بالآلاف في الخيم أو العراء لا يجدون مصدراً للدفء يساعد أطفالهم على التحسن.

يذكر صديقنا ابراهيم زبيبي عن مشاعرنا أن ما يزيدها التهاباً أننا أصبحنا أهلاً.

إحدى عشر سنة خسرنا فيها الكثير الكثير، أعمارنا وذكرياتنا وشغفنا وأحبائنا ورفاق دربنا، تغربنا وحاولنا النسيان والتعافي، ظننا أننا نجحنا وبدأنا بمرحلة جديدة لنثبت لأنفسنا ذلك ألا وهي مرحلة بناء الأسرة التعويضية.

سعينا بأيدينا وأقدامنا لتكون لدينا أسر تعوضنا عما مضى في مرحلة شبابنا المتكهّل، ليأتي يوم تتزلزل فيه حياتنا ونجاحاتنا المهزوزة ونتمنى في هذا اليوم بالذات لو لم يكن لدينا أطفالاً.

حسناً كان الأمر صعباً منذ حدث ذلك الزلزال، لا أجرؤ أن أتذكر كيف كان الأمر فقد كان غريزياً غريباً، زوجي يحمل ابنتي وأنا غطيت بجسدي المتعب طفلي حديث العهد بالحياة المتمدد بجانبي على السرير.

تصيح والدة زوجي من غرفتها إثر الهزة وانا لا أعي ما يحصل فيقول لي باسل: “هزة..هزة” فأتشهد، لم يكن يملؤني رعب أو خوف وقتها بل كنت أفكر فقط متى ستتوقف الهزة كي نهرب.

لففنا طفلينا بأغطية صوفية ووضعت غطاءً على رأسي ونزلنا نحو الثلج المتراكم تدهس خطانا العارية بقايا الثلج فقد نزلنا ‘بشحاطات’ المنزل، أين نذهب؟! بقينا في الشارع ننتظر.

برد يقطع أوصالي وجرحي القيصري يئن فأخمده، لا وقت له ولا مكان، نحن في وضع الطوارئ وعلينا أن نبقي أطفالنا في أمان، أحمل بلال وتضحك ياسمينة معتقدة أننا في نزهة ليلية، لا ألومها فقد تنزهت قبلها بأسبوعين حينما ذهبنا جميعنا إلى المشفى لولادتي في الساعة الخامسة صباحاً.

ثلاث ساعات أجلس على مقعد حديدي داخل موقف الباصات ونحن ندري أنه ليس مكاناً آمناً حتى ولكننا بخطوتين نكون في الشارع دون سقف قد يتهالك فوقنا، أقدامي تجمّدت ولكني بكل أمل أنتظر أن تنتهي هذه المحنة ولكنها لا تنتهي.

نعود للمنزل لندفأ قليلاً ثم نعاود الهروب بعد زلزال آخر ظهراً، نلجأ للمسجد القريب منا فيغلق أبوابه لتصدعه، نلتفت نحو مكان آخر فأجد جارتنا التركية تلوح لي بيدها للمجيء، مكتبة صغيرة تصلح أن تكون غرفة لحارس المسجد فيها مدفئتان كهربائيتان وسماور الشاي يغلي كما الأنفس التي يزدحم بها المكان. جلسنا كما البقية حتى لم يعد هناك مكان في حضني لطفلي، ياسمين تريد اللعب في مساحة لا تتسع لها جالسة فقررنا المغادرة.

انتقلنا لسيارة ياسر العزيز الذي زحمناه بعائلتي إلى جانب عائلته، لم يكن لدينا خيار آخر إلا أن نطلب المساعدة من الطيبين، منهكون ولكننا نريد مكاناً آمناً.

نمنا تلك الليلة في سيارته بعد أن تناولنا اول وجبة بعد الزلزال، حينها انتبهت أنني كنت أرضع طفلي من ثدي جاف لم أدر كيف سدّ رمق طفلي الجائع.

يئز جرحي مرة أخرى فأؤجله، لا وقت الآن للتعب، نحن بخير وعائلتي بخير، لا أدري إلى متى ولكني كنت أكرر هذه الجملة كثيراً علها تساعدني على تخطي الصدمة.

عدنا بعدها للمنزل ظناً منا انتهاء الخطر، يقترح أخ زوجي لنا مكاناً أفضل نبقى فيه وذلك ما سأؤجل البوح عنه فقد أثقلت هذه المساحة بما يكفي.

شكراً للطيبين الذين اطمئنوا وأرسلوا واتصلوا وساعدوا وطبطبوا، منهم من شاركنا الزلزال وآخرون بعيدون عنه.

نحن الآن في عينتاب لا ندري ماذا يقدر الله لنا، إن كتب على الموت فسأقول لبلال: طفلي الحبيب أنا أعتذر عما سببناه لك من ألم رغم صغر حجمك، نحن نحبك كثيراً ونحب الخير فيك أكثر فلا تنساه واسع له دائماً.

ابنتي الجميلة نحن نحبك كثيراً ولطالما قلنا لك ذلك، كوني بخير واعلمي أن روحك الجميلة وعقلك الرشيد سيوجهانك نحو الخير والصواب دائماً.

وإن قدر لنا الموت جميعاً فأحبتي البشر، لم أكن أعلم أن هذه الدنيا ستقسو عليّ بهذا الشكل عندما أنجبتني أمي للحياة، اعتقدت أنها ستلين بوجود الأحبة إلا أنها أثبتت لي أنها تقسو أكثر.

هبة سويد العزاوي 14 شباط

لا توجد لدي أي صورة بصراحة لتلك الأيام الصعبة التي قضيناها وقت الزلزال، ولكن في فترات لاحقة أحببت أن أرسم من باب التفريغ النفسي هذه الرسمة البسيطة التي أعي تماماً بدائيتها لأنني لست فنانة ولا رسامة ولكنها صاحبت تلك الفترة.

No tags

تسعون ثانية …فقط 

تسعون ثانية …فقط 

غازي عينتاب الإثنين 6/شباط/ 2023

كان من الممكن أن تكون الساعة الرابعة وست عشرة دقيقة من فجر ذاك اليوم توقيتاً عاديّاً، مثل أيّ فجر سابق لكنّها ليست كذلك أبداً، وقد حُفرت في ذاكرة آلاف البشر في الشمال السوري وفي جنوب تركيا.

بداية تلك الليلة لا تختلف عن الليالي السابقة المملّة في غازي عينتاب لامرأة مثلي لاجئة بسبب التهجير القسري، تحمل في ذاكرتها حلم الثورة ومن بعدها كوابيس الحرب والتشرّد والخسارات.

كانت ليلة باردة، وقفت طويلاً أمام نافذة منزلي في الطابق الثالث، أراقب الثلج الذي يمنح الأرض حملاً ثقيلاً أبيضَ.

قلت لنفسي: غداً سأخرج مع ابن أختي الصغير لنلعب بالثلج فهذا الطفل ذو الأربع سنوات وحده القادر على منح قلبي الفرح حين أراه سعيداً يلعب ويضحك وهو لا يعرف شيئاً عن مدينته البعيدة التي هُجّر منها وهو في شهره الثامن.

تجاوزت الساعة الثانية ليلاً فقررت أن أنام وأحلم بأن يكون الغد أفضل.

لم أدر كم مرّ من الوقت حتى تمكنت من النوم، لكنّ شعوري باهتزاز الأرض تحتي بصورة خفيفة أيقظني، ثمَّ بدأت الهزّات تزداد قوّة، وقفت مسرعة وفتحت نافذتي لعلّي أدرك ما يحدث، كان البرد شديداً والسماء تصطبغ بلون أحمر مخيف، وأصوات غريبة تنتشر في المكان أحسست بدوار وأنا أرى الأبنية من حولي تهتز.

 تمنّيت أن تهدأ الأرض ولا تستيقظ ابنتا أختي من نومهما كيلا تشعرا بالخوف، فما زالتا حتّى اليوم تعانيان من كوابيس الطيران والموت.

لكنّ الهزّات أصبحت عنيفة جدّاً ورأيتهما تدخلان غرفتي وهما تصرخان “خالتي ما هذا”؟

كان ضوء غرفتي مطفأ، والظلام في المنزل مخيف، فأغلقت النافذة وقد بدأت الصورة تتجلّى لديّ إنّه زلزال قويّ، والصراخ يرتفع في البناء المكوّن من خمسة طوابق والسكّان يتراكضون على الدرج فتختلط المفردات التركيّة والعربيّة، وكلمة يا الله تتكرّر من الجميع.

أشعلت الضوء، كانت الساعة قد تجاوزت الرابعة والربع فجراً والزلزال يتحوّل إلى شبح يطلق أصواتاً مرعبة وغير مفهومة من باطن الأرض، وكل ما في المنزل يهتزّ ويتساقط وكأنَّه ينذر بكارثة حتميّة.

لم أعرف ما أفعل وصراخ البنات قد ارتفع، حاولت كتمان خوفي وطلبت منهما أن تجلسا على الأرض وتهدآ قليلاً، وأن ندعو معاً أن تتوقّف الأرض التي تغدر بنا الآن.

بدأ الزلزال يهدأ قليلاً، ولكنَّ نبضات قلبي كانت ترتفع وأنا أرى وجهَيْ ابنتَيْ أختي وقد تجمّد الدم فيهما وعيونهما مثبتة في وجهي وهما تتوسَّلان لي قائلتين: “فلنذهب إلى منزل خالتي.”

قلت محاولة طمأنتهما “لقد توقف، لا تخافا..”

ولكن أرعبتني فكرة الموت حين قالت ابنة أختي الكبرى: “لنذهب إلى خالتي فإذا متنا، نموت سوية.”

في تلك اللحظات تفقد إحساسك ومشاعرك وتصبح عاجزاً عن التفكير، لكن فكرة الموت وتّرت أعصابي، هل حقّاً من الممكن أن نموت في غربتنا بسبب الزلزال ونحن الناجيات من الموت في وطننا؟!

طلبت منهما ارتداء أيّ شيء بسرعة كي ننزل وترامى إلى مسمعي صوت أحد الأتراك وهو يصرخ “كوش..كوش” وتعني اركض.

كنت أرتدي بيجاما فوضعت غطاء على رأسي ويداي ترتجفان من الخوف، ونزلت دون حذاء وأنا أصارع كابوساً مخيفاً بعد أن تكرّر الزلزال من جديد.

وصلنا بصعوبة إلى ساحة البناء الخارجية، إذ مازال الناس يتراكضون على الدرج وفي الممرات فكنّا جميعاً نعيش أحداث فيلم مرعب ونتسابق للنجاة.

عشرات العائلات تقف في الشوارع بوجوه صفراء مذهولة، أطفال ترتجف من البرد، وبكاء هستيريّ ينتقل بالعدوى بين الحشود، وأدعية ترتفع إلى السماء أن تثبت الأرض تحت الأقدام.

بدأت الهزّات تزداد قوّة، وأنا أسمع صوت أختي عبر الهاتف مرتجفاً “غادة غادروا المنزل ولا تقفوا بجوار الحائط، وتعالوا إلى شارعنا.”

خرجنا من الحارة وبعضنا يتشبّث ببعض، واتّجهنا إلى الشارع الثاني حيث البناية التي تقيم فيها أختي.

كانت العديد من العائلات تركب سيّاراتها وتغادر، لكن إلى أين لا أعلم، فعينتاب كلّها تهتزّ الآن بقوّة للمرّة الثانية، وكأنّ مارداً مسجوناً يريد أن يمزّق الأرض ويخرج، وأصوات العويل في بطن الأرض مسموعة أكثر من عويل النّاس خارجها!

الشوارع مرعبة ومزدحمة بالناس، وصلنا إلى الشارع الثاني بصعوبة وأنا أنظر إلى الأبنية المحيطة بنا وهي تهتزّ بقوة، بدأت أبكي بكلّ ما في داخلي من قهر، وخوف وغربة وعجز وأنا أتخيّل يوم الحساب..

وصلنا الساحة الواسعة حيث الصراخ والذهول والبكاء، فبدأت أبحث بين الوجوه الشاحبة عن عائلة أختي وقد بدأت الأمطار تتساقط وأرجلنا تغوص في الثلج الذي يغطي الأرض.

أخيراً عثرت عليهم والخوف يسكن وجوههم، وكان زوج أختي يحتضن طفله الصغير بشدّة إلى صدره وهو يغطّيه من البرد والمطر ببطانيّة، شعرت بوجع لا يمكن للكلمات أن تصفه فعيون الأطفال من حولي تقطر خوفاً وهم متسمّرين وعاجزين عن فهم ما يجري، وعلى مقربة منّا امرأة تصرخ وتبكي وهي تنادي أطفالها فقد انتبهت أنّها غادرت المنزل وقد نسيتهم داخله من شدّة خوفها.

كل الصور المحيطة بي آلمتني، كبار السنّ والأطفال والأمّهات والآباء من سوريّين وأتراك، سبّبوا صدعاً في قلبي ونزفاً في عيني.

ثم استوقفني منظر امرأة سورية كانت تجلس على كرسيّها المتحرّك، والمطر ينهمر فوقها، وهي تحدّق في الأرض وكأنّها خارج الزمان والمكان، إنّها إحدى ضحايا الزلزال الأسدي الذي نعيشه نحن منذ سنوات.

كانت لامبالاتها بكل ما يحدث حولها واضحة، وكأنّ الحياة لم تعد تعنيها بشيء.

تلفّت حولي بحثاً عن مكان نحمي به أنفسنا من المطر، على بعد أمتار قليلة كانت هنالك مغسلة للسجاد، فطلبت من البنات وأختي أن نذهب لنقف تحت السقف الحديدي، وقد رأيت مجموعة من الشبّان قد وضعوا في تنكة القليل من الحطب وأشعلوه فاقتربنا منهم علّنا نحصل على القليل من الدفء بعد أن اشتد البرد والارتجاف.

بدأ العديد من النّاس ممّن يملكون سيّارات أو باصات للنقل الداخلي يطلبون من النّساء والأطفال الدخول إليها ريثما تتوقف الأمطار وتهدأ الأرض.

اقترب رجل تركي منّا وطلب من زوج أختي أن يدخل إلى السيارة من أجل الطفل الصغير، تمنّيت لو أن إنسانيّتنا تظهر دائماً دون الحاجة إلى كارثة مرعبة كي ندرك أنّنا جميعاً بشر ونستحقّ الحياة، وممكن أن نتعايش.

بدأ الفجر يبزغ والناس يحاولون إشعال أي شيء من أجل الحصول على القليل من الدفء بعد أن توقّف المطر وقد انتشروا كمجموعات في الساحة.

كنت بدون حذاء وقد شعرت أن قدميّ تحوّلتا لقطعتي جليد، لم أعد أشعر بهما والبرد يلتهمهما، ولا أستطيع التوقف عن الارتجاف، بدأت أتخيّل دفء السرير وخطّتي التّي وضعتها قبل النوم للّعب بالثلج، ها هو الصباح قد أقبل والنّاس كلّهم منتشرون على الثلج يبحثون عن وسيلة للتدفئة.

وباب البناء الذي تقيم فيه أختي أراه وكأنّه فوّهة جب مرعب، لا يريد أحد الدخول إليه بعد أن شاهدوا التصدّعات التي أصابت البناء، وكأنّ سكّيناً ضخماً قد شقّ الحائط من أسفله وحتى الطابق الأخير.

لم أعد أقوى على تحمّل البرد فقرّرت الدخول إلى منزل أختي للحصول على حذاء وأغطية تساعدنا على التحمّل، هي فكرة مجنونة لكن لابدّ منها.

دخلت مسرعة مع زوج أختي وكأنّني أدخل إلى بطن غول مفترس.

كنّا نركض على الدرج، وأنا أتوسل الله أن تصمت الأرض قليلاً فقط ريثما نغادر البناء

أحضرنا غطاء، ولبست حذاء، ثم عدنا بسرعة للأسفل، كان الناس يتحدّثون في هواتفهم ليطمئنّوا على أهلهم وقد سمعت أحدهم يقول “الزلزال ضرب تركيّا والشمال السوري، وهنالك الكثير من الأبنية المدمّرة وآلاف النّاس تحت الأنقاض.”. لم أكن قادرة على تخيّل هول المشهد وأنا أفكّر بأهلي وأقاربي الموزّعين في الشمال السوري بعد تهجيرنا، وبدأت أتواصل مع أفراد عائلتي، كانت الأصوات مرتجفة والبكاء يسيطر على الجميع، وقد علمت أن ابنة عمي وعائلتها كلّهم تحت الأنقاض في جنديرس حيث تدمّرت أغلب الأبنية.

هدأت الأرض قليلاً مع استمرار الهزّات الارتدادية التي تزيد من تخوّف حدوث زلزال آخر، ممّا يدفع الناس للدخول لمنازلهم بسرعة وإحضار أغطية والعودة للشارع، ولا أحد يعلم ماذا سيحدث بعد تلك اللحظات المرعبة.

 بدأ ضوء النهار يُظهر تعب الوجوه، وإرهاق الجميع، ونوم الأطفال في حضن أمّهاتهم أو على أرضيّة السيّارات.

مرّت الساعات بطيئة ونحن في الشارع، وقد بدأت أخبار الموت تتوالى على مسامعنا، لقد توفيت ابنة عمي مع زوجها وابنها البكر وابنته ولم تنج سوى زوجته التي حفرت الأنقاض بيديها لتتمكّن من إنقاذ نفسها وابنتها وابنها بينما خسرت بقية عائلتها وما زالت أخت زوجها وابنتها تحت الأنقاض وقد كانت تسمع صراخ أخت زوجها ممّا يعني أنها لازالت على قيد الحياة.

وبعد مرور أربعة عشر يوماً توفي ابن خالتي في أنطاكية حيث كان يقيم في فندق أوزهان.

اليوم بعد مرور أكثر من شهر على تلك الليلة ما زال النّاس يعيشون خوف الاهتزازات الارتدادية، ولكن أصبح الخوف أكبر بعد رؤية الدمار الذي خلّفه الزلزال، وبعد موت أكثر من خمسين ألف في تركيا وسورية.

لم يعد الخوف من المجهول هو المتحكّم في حياة الناس، بل هو الخوف من القصص التي سمعناها من الناجين من تحت الأنقاض، ونحن نتخيّل مع كل هزةّ أنّنا قد نلقى المصير نفسه. وما زلت حتى اللحظة لا أصدّق أنّ ما عشناه تلك الليلة هو تسعين ثانية فقط.

غادة باكير

الصورة تعني لي الكثير، وهي للحظة وقوع الزلزال وتوقف الساعة على هذا الوقت.

No tags

“يوم خذلتنا الأرض”

“يوم خذلتنا الأرض”

 

اليوم الثاني عشر بعد الزلزال، اليوم سميت إحساسي، خُذلان.

اليوم الثاني عشر وكأنو الزلزال صار مبارح، وكل ليلة بينعاد الفيديو براسي وبرجع بعيشه وبفيق وبفزع وبقوم بوقف من تختي وبمسك شنتايتي وبدي أدور ع أهلي ونطلع نركض، إحساس الخُذلان قاسي، بيقهر، فقدت كل الأشياء معناها، وأثبت الدنيا عبثتيها واللاجدوى منها.

بتتعود بعد فترة من كونك لاجئ مؤقتية الأشياء، الأشخاص، والمدن، بس بكل مرحلة مؤقتة بتحاول تخلق وتلاقي زوايا وروتين يوهمك بالاستقرار والاستدامة، ومع كل التغيير المستمر في شيء واحد ثابت؛ الأرض. 

الأرض اللي ماشيين عليها، الأرض اللي منرتكي عليها لما منحس كل الأشياء ضيقة وبتخنق علينا، الأرض اللي بيحكولنا باليوغا “ground yourself” 

الأرض اللي منحتمي بملاجئ تحت سطحها من القصف، والخطف والاعتقال.

 شو بتعمل لما الأرض ماعد مستحملة ثقلك؟ وين بتميل وتركي راسك وثقل جسمك وحمل سنين من الترحال والخيبات، والخسران والشوق والفقد؟

وين بتهرب وبتتخبى لما الحيط والسقف بيطبقوا عليك؟

 وين رح نميل اليوم؟ وع أنو أرض رح نتسطح لنهدي للحظة ونحس حالنا ثابتين، ونرجع بعدها نوقف ونكمل؟

الأرض وعقلي اليوم بيتلاعبو فيني، الأرض هزت وغضبت وعيطت، وعقلي حفظ وبعيد شريط الذكرى كل يوم، بلحظة غدر خلال النهار بيرجع عقلي يلعب إحساس الهزة بعضلات جسمي. 

شو يعني أفقد الثقة حتى بعقلي وإحساسي؟ “يوم خذلني عقلي”

 مع حبي، روان 

 

الصورة الأولى والثانية لغرفتي كنت قد التقطتها قبل الزازال وبعده.

No tags

عن الهزات الارتدادية قبيل الزلزال

عن الهزات الارتدادية قبيل الزلزال

لم يكن الزلزال هو الصدمة الوحيدة التي تعرضنا لها نحن السوريات والسوريون خلال السنوات الأخيرة، لكنها كانت الأعظم، تلك الفترة التي حولتني من طالبة جامعية تُلقب بـ “النيردة” في دفعتها إلى طالبة أسقطت أكثر من نصف موادها.

ومن إعلامية تجهز لبرنامجٍ تلفزيوني إلى امرأة لا تستطيع أن تشرب كوبً من الماء أمام أحد بسبب شلل أصابني في العصب السابع من وجهي.

تلك الهزات أنهكت كل الملامح التي تدلُ على أني امرأة في الخامسة والعشرون من عمرها فقط.

الساعة الواحدة إلا عشرِ دقائق، الوقت الذي وصل بي الاكتئاب إلى أعلى مستوياته، أرسلت رسالة نصية لصديقاتي أخبرهن عن حجم ما أمر به قائلة: “حاسة أني انتهيت مهنيا ودراسيا وكلشي وصرت حدا ماله حيلة

وضعي مافيه تحسن يذكر

حاولت من كم يوم اعتذر من ………خبروني انهم مقدرين الوضع ورح ينتظروني

بس ما بعرف لأيمت رح ينتظروا

الجامعة راح مني ٤ مواد يعني حلمي بإني كون معيدة تراجع

كلشي بنيته من ٦ سنين لهلئ عم شوفه عم يطير

فعليا أنا مو قادرة أغسل كاسة وكأنه الموضوع أثر ع أعصاب تانية 

اسفة طولت بس حبيت فضفضلكم”.

ثم أغلقت الهاتف لتصيبني نوبات من البكاء المستمر، حتى تلك الساعة التي غيرت مفهوم الحياة بالنسبة لي وجعلتني أصلب وأقوى. 

الساعة الرابعة والربع تقريبًا حان موعد نومي الذي لم يكن منظمًا بسبب الحالة الصحية التي مررت بها. 

ما إن أغمضت عيناي حتى بدأ البيت يهتز بسرعة هائلة ودون أي سابق إنذار، لحسن حظي أنني قرأت قبيل يومين من الزلزال تقريرًا عن الاحتياطات الواجب اتخاذها أثناء الزلازل والتي كان أهمها الخروج من البيت في حال لم يكن المنزل طابقي.

وهذا ما فعلته حقًا، حملت طفلي وركضنا وزوجي به إلى الصالة لكن الزلزال أخذ يشتد، فخرجنا مسرعين إلى خارج المنزل، نمسك بعضنا البعض ونتمتم ببعض الأدعية حتى توقف الزلزال.

وبحكم أني أعيش في منطقة متطرفة عن المدينة لم أتخيل حجم الكارثة التي حصلت، وانقطاع الإنترنت زاد الأمر سوء، فلم أعد قادرة على الوصول لأهلي وصديقاتي وأقاربي للاطمئنان عليهم ولا هم قادرون على الوصول إلي.

بقينا ساعة ونصف تقريبًا، متوجسين نرتقب الهزة والأخرى حتى نسرع في الخروج من البيت لنعاود الرجوع إليه حين تتوقف الهزة.. 

إلى أن طرق بابنا أخو زوجي، جاء للاطمئنان علينا ولإخبارنا أن الناس خرجت إلى الشوارع وأن هناك بعض المنازل تهدمت وهناك بعض الجرحى العالقين تحت الأنقاض، وأن بناية لأقاربنا سقطت وكل من فيها تحت الأنقاض إلى الآن وغيرها من الأخبار الصادمة.

لم تمر هذه السويعات القليلة بسهولة علينا…حتى خرج جميع من يسكن هذه العمارة أحياء إلا والدة صديقتي المتوفية منذُ عدة أعوام لم يستطيعوا إنقاذها…وماتت موتتها الأخيرة..

نعم موتتها الأخيرة فمعظم الأمهات السوريات يمُتّن عِدة مرات حتى يفارقن الحياة.

مضى على الزلزال يومين وأنا أشعر بعجز عظيم حتى قررت أن كتب بوست عبر صفحتي على الفيس بوك عبرت فيه عن رغبتي بالخروج مع الفرق التطوعية للاستجابة، طالبة ممن يشاركني هذه الرغبة من النساء مراسلتي عبر المسنجر وهذا ما حدث حقًا.

شكّلنا مجموعة صغيرة تضم بعض النساء وتوجهنا إلى مركز المدينة في اعزاز ونحن صفر اليدين والخطط، لكن هدفنا كان واضح ….

ومن هذه الانطلاقة بدأنا التشبيك مع بعضنا البعض وتوسعنا لنصِل إلى الفرق التطوعية الأخرى بهدف وصول منظم للمتضررين والمتضررات من الزلزال.

لم تكن الاستجابة بهذه السهولة، رغم تعودنا على التعامل مع أزماتنا التي لا تنتهي، لكن كل هذا الموت الجمعي لم نكن معتادين عليه وهذا الخراب المهترئ لم يكن سوى إسقاط لما في داخلنا من رماد لكن فكرة أن ترى هذا الرماد على هيئة مدينة كان مفجع.

انتقلنا بعد ذلك للتعامل مع المصابين والمصابات في المشافي، لإنهم/ن الأكثر ضعفًا والأجدر بالمتابعة والرعاية.

أصعب المواقف..

في أول يوم من الاستجابة خرجت مع فريق تطوعي إلى أحد المشافي في مدينة عفرين لإحصاء عدد المتضررين من النساء والأطفال والرجال وتقديم ما نستطيع أن نقدمه كاستجابة طارئة، انتقلنا مع إحدى الممرضات إلى جناح العناية المشددة وهنا كانت الصدمة، طفلان في العامين والنصف من عمرهما ملفوفان بشاشٍ أبيض من رأسهما حتى أخمص قدميهما، يرقدان في العناية المشددة.

الطفل لا أعرف اسمه حتى ولكن سأطلق عليه” X “، كان فاقد لعائلته بشكل كامل وهو بين الحياة والموت.

والطفلة باسم y” ” بقي من عائلتها والدها فقط.

ليس سهلاً أن يخبرك الطبيب أنهم قدموا ما بوسعهم لإنقاذ هذه الأرواح الصغيرة لكن الأمر متروكٌ لقدرهم.

ليس سهلاً أن تنظر في عيني أم متأكدة أن أبنتها ماتت، لكن جميع من حولها يكذبون هذا الخبر الصادم عنها خوفًا على صحتها.

ليس سهلاً أن تُضحِك طفلاً فقد كل أفراد عائلته.

ليس سهلاً أن تُمسِك يدك إحدى الأمهات لتشاهد صور أولادها الذين فقدتهم في الزلزال والذين فقدتهم خلال سنوات الحرب.

ليس سهلاً أن تراقب أمً أملها الوحيد داخل غرفة الإنعاش، تنتظر أي خبر عن ابنتها بعد أن فقدت ابناءها الأربعة الآخرين.

ليس سهلاً أن تأخذ خمس ثواني لتسأل أحدهم هل هؤلاء الأطفال أيتام زلزال أم أيتام حرب؟؟ 

ليرد: هم أيتام مركبون خسروا والدهم في الحرب ووالدتهم في الزلزال.

هذه الصدمات المتتالية التي تلقيتها جعلتني أقوى وأصلب، زرعت في داخلي الإصرار على الصمود، لأن الصمود وحده من يجعلنا قادرين على الاستمرار في الحياة.

بالمناسبة بعد أسبوعين تقريب من زيارة المشفى علمنا من الممرضات أن وضع الطفلين استقر وتم تخريج الطفل x”” بينما الطفلة y”” تحتاج لعملية في ساقها.

الصورة من انهيار مزرعة مكونة من طابقين من تصويري

No tags

وإنك ميت وإنهم ميتون…

وإنك ميت وإنهم ميتون ..

وصلت وأمي إلى مكان بعيد عن من يعرفنا .. لم نعتد أن نشارك الحزن مع أحد

دفنا أبان قرب أبيه ، وأصبحت عائلتنا مقسمة قسمة عادلة الأب والابن تحت التراب والأم والابنة فوقه، ورحلنا ..

لا عزاء لشهيد ، هذا قرارنا ورغبتنا .. ننتظر من يتكلم معنا أن يزغرد لشهيد الردم فقط .. لشهيد الفوضى والإهمال .. لشهيد  غلظة قلوب فرق متطوعي آفاد و قلة احترافيتهم … شهيد الزلزال الكاشف 

مازالت تصلني صور الناجيين على مجموعات المفقودين … أتصفح الوجوه ولا أستطيع التمييز بينها على اختلافها، المأساة وحّدت معالم أهلها…

أطفال كثر لم يبق لهم أحد، ورفض تركي لتسليم الأطفال لأحد، دعونا نأخذ أبناءنا السوريين، نحن العاملات والعاملون في منظمات رعاية الأطفال، أعطونا أولادنا حتى نخفّف عنهم بالعربية على الأقل ونطبطب على أجسادهم المتعبة بكلمات اعتادوا سماعها من أهلهم وإخوتهم

أعطونا أولادنا ننشغل بهم حتى ننسى فقدنا وننسيهم الفقد ونتجلد 

بيت كريم للأيتام ، بيتي وبيت أولادي مفتوح لأي طفل سوري ، مفتوح لهم جميعاً إن سمح الأتراك ..

وقلوب من فيه مفتوحة رغم هول مصابنا ..

أما عن أبان ، فادعوا له ولشهد بالرحمة، ولنا بالسكينة …

الصورة / قبر جار أبان وأبي / حين تضيق العبارة وينكسر القلب على شاهدة

No tags

بيتي مو أحلى البيوت..وأصلاً مو بيتي نحن مستأجرينه بس أحبه!!

 

بيتي مو أحلا البيوت..وأصلاً مو بيتي نحن مستأجرينه بس أحبه!!

من أول يوم غادرت فيه سوريا ولا مرة كان عندي أغراض أو ملابس أكثر من حاجتي..ولا مرة اشتريت مكملات أو إكسسوارات ودائماً كل أغراضي تتعبى بشنطة ظهر قابلة للحمل مباشرة لأنه هذا يلي علمتني ياه 5 سنين تحت القصف بدير الزور.

دائماً اعيش باستديو.. التخت يلي أنام عليه بنهاية الشهر مو ألي.. ولا مرة بعنتاب من 2016 ل 2022 كان عندي غرفة خاصة فيني وما اشاركها مع حدا، وماني زعلانة، حالي أحسن بكثير من حال غيري ومقتنعة أني مارح أستقر ولا رح اعرف بيوم أستقر.

هي السنة كانت غريبة …كل قواعد حياتي السابقة نسفتهم. خبرت عمر أنه هي السنة هي سنة “الإنسان فينا” مارح نهتم غير بحالنا وراحتنا وسعادتنا.

استأجرنا بيت كبير وكمان فيه تراس، كان عندي فيه غرفة لوحدي …اخترت كل قطعة من قطع أثاثها.

وصالون بيتنا كثير واسع وحطينا بكل زواياه زرعات ومرايا وشموع وأضوية صغيرة ونادينا لرفقاتنا يجو يسهروا عندنا لأن نحن مانحب نسهر برا. البيت ولا مرة كان فاضي على طول مليان رفقات، نسخ مفاتيح بيتنا عند الكل. صاروا يجو بلا ما يخبرونا وكان عندنا كثير حكي نحكيه مع بعض.. اليوم أنا ما ضل عندي حكي …

هذا أول بيت الي ولعمر…وأوسع بيت سكنت فيه بعد بيتنا بالدير.. ونمت فيه بدون دواء وبدون كوابيس …علّاقة مفاتيحه هدتنا ياهم الصبية يلي تشتغل بمحل ذهب لما رحنا نشتري خواتمنا وعطتنا ياها على شكل خاتم كبير، ضحكنا كثير على هل العلاقة ومع ذلك علقنا المفاتيح بيها.

افتقد كلشي فيه …كل احتياجاتي وكل اغراضي وكل الاغراض عديمة النفع يلي اشتريناها.

عمر يحب كل الأغراض تبعه يلي بالبيت… عند الباب كسر قلبي لما سألني ونحن طالعين بجاكيت وبوط وأوراقنا الرسمية …آخذ البلايستيشن؟؟

تركنا البلايستيشن والبيت وكلشي وطلعنا.

المهم عمر بخير … وإيمان أختي بخير.. وأهلي بخير…

بسلقين مدينة أمي فقدنا ابن عم أمي، خالي وزوجته وأولاده، وخال أمي وأولاده وأحفاده…ب 7 و8 من هالشهر دفنا يمكن 20 حدا من العيلة بسلقين وانطاكيا. أعرف ماضللهم وجود …مو طالع من قلبي أقول ماتوا بالزلزال بس هن ماتوا.. الله يرحمهم ويرحمنا ويرحم حال الناس والعائلات يلي تشتت وتبهدلت وتعبت كثير، يا ربي تعبت …الناس يلي لسا تستنى ولادها واحبابها تطلع عايشة من تحت الانقاض تعبت..هذا أسبوع بعمر حزين وطويل كامل.

لما ضليت سنة بحصار الدير ورغم وجودنا بشي أشبه لمعتقل جماعي كنا نفكر أنه هذا اطول وقت يمر علينا كنا نقول مابي أطول من سنة الجوع!!!

أسبوع الزلزال كان أطول من سنة الجوع

عن الصورة: قد تكون غير منطقية أو غير مثيرة للاهتمام لكني لم استطع ألا أن افكر بتلك الأم التي رأيتها صدفة وأنا اتجول بالحي المدمر كليّاً، وهي تحمل دمية (دبدوب) ابنتها من ركام منزلها وتمضي وتترك كل شيء خلفها… قد يكون الدبدوب أكثر قيمة معنوية من أي شيء غالي الثمن بلحظات مثل التي مرَّ بها السكان المتضررين من الزلزال.

 

No tags